مساحة وعي (5) … الوِصاية الذّكوريّة
د. مأمون علواني في حوار خاص مع د. فاطمة أحمد

حوار حول المفكَّر فيه والمسكوت عنه مع د. مأمون علواني – الرّئيس التّنفيذي لشركة “ريتينغ برودكشن”.
– كيف تنظر إلى المرأة؟ وكيف تفسّر علاقتها بالتّحرّر؟ ولاسيّما أنّك أبٌ لثلاث فتيات؟
لنتفق على أمر مهمّ، وهو أنّنا خُلقنا جميعاً أحراراً نساءً ورجالاً. ولا توجد في أيّ مادّة قانونيّة ولا دينيّة فرضاً للوصاية الذّكوريّة على الأنثى. هذه الوصاية خلقها الذّكر وحده ومن خلالها تسيّد وتسلّط على المرأة.
لقد خُلقت المرأة لتكون حرّة في كلّ شيء، وقد أنصفها الدّين، ولكن رجال الدّين لم ينصفوها، فجعلوا كلّ شيء حولها مثار شُبهة!
نعم أنا عندي ثلاث فتيات، وأحرص كلّ الحرص على أن تكون بناتي من أفضل النّاس في المجتمع، وأن يمتلكن الحريّة في اتخاذ القرارات، وأن يكنّ متماسكات مع أنفسهن ومستقلّات في الشّخصيّة، وفي سلوكهنّ الحياتيّة إيجابيّاً. وفي حال وقوع إحداهنّ في الخطأ نقدّم أنا وزوجتي النّصح والرّشد بحسب معرفتنا وخبرتنا.
لكن لابدّ من الإشارة إلى أنّه في وقتنا الحالي قد تغيّرت أدوات المعرفة ووسائل التّواصل الاجتماعي، كما تغيّرت وتطوّرت المعلومات وأصبحت أسرع من سرعة البرق، لذلك فإنّ الحامي الأفضل للفتاة بأن أعلّمها كيف تحمي نفسها بنفسها، وليس الحامي هنا أنا (الأب) أو زوجتي (الأم).
هذا الجيل جيل يتّسم بالخطورة في معلوماته، وهنّ (البنات) على وعي ومعرفة أكثر منّا (الأهل)، فعلى سبيل المثال: ابنتي التي تبلغ من العمر ١٠سنوات، قالت لي منذ فترة: “بابا رقبتي تؤلمني، وقد كنت في حديث مع صديقتي، وقالت: “ربّما السبب هو كثرة “ستريس” أيّ الجهد والضّغط. هل تعلمين أنّي لم أعرف هذه الكلمة إلّا في الثّلاثينيّات من عمري، وليس في عمر العشر سنوات!
يتناقش الجيل الجديد في موضوعات متطوّرة جداً، سواءً أكانت علميّة أم طبيّة أم في أيّ مجالٍ آخر، ولا تنسي هنا وجود الأب الرّوحي للمعلومات “الغوغل” الذي يلبّي ويجيب عن كلّ التساؤلات والاستفسارات عن هذا العالم، وإن لم يسألوا ذويهم عنها، لذلك سيكون هذا الجيل على معرفة ووعي أكثر منّا، والأدوات التي يستعملونها لممارسة حياتهم مختلفة تماماً عن أدواتنا، ولذلك كان واجب علينا تقبّل أيّ سلوك أو فعل ناتج عنهم، لأنّ حياتهم خاصّة بهم، ويجب أن يكونوا أحراراً، ولاسيّما الأنثى. فإن أرادت ابنتي مثلاً الخروج في السّاعة الثّامنة لرؤية أصدقائها، فلا بأس في ذلك. ما الذي يمنعها ويحرمها من الذّهاب والإياب ما دمتُ واثقاً منها، وقد علّمتها وربيّتها على أسس سليمة، فلماذا إذاً أمنعها من الخروج مع أصدقائها؟! لِمَ أمنعها من أن تعيش حياتها بسعادة؟ إذا لم تجد متعتها في مرحلة الشّباب متى ستجده في السّتينات من عمرها؟! ولكن للأسف العقليّة الذّكوريّة تفسّر المتعة بالجنس! المتعة مفهوم عميق وصادق لا يرتبط بالمعاني الحسّيّة فقط، فالضّحكة من القلب متعة، لذلك لا تستطيع حرمان فتاة من مجالسة أصدقاء من عمرها، وجعلها تجلس مع الكبار في السّن، هي تحتاج إلى صديقة من جيلها كي تفرح وتتواءم معها.
صدقيني الفتيات هنّ أجمل شيء في الحياة، ولكنّ المجتمع أخافنا منهنّ، إذ مذ وعينا في هذه الحياة، ونحن نعرف الفرق الشّاسع في المعاملة بين الصّبي والفتاة. وكيف أنّ الرّجل ينظر إلى الفتاة نظرة مختلفة عن الصّبي الذّكر.
لا تقلّ الأنثى مكانةً عن الذّكر، بل على العكس تمتلك الفتاة وعياً واهتماماً وعنايةً أكثر بالوالدين، وهذه مسألة مهمّة جدّاً إذّ تبقى هي السّند لأبيها وأمّها حتّى الموت. ولا تسأل أو تنتظر الموافقة لا من الزّوج ولا من المجتمع لرعاية أهلها والعناية بهم.

– ما سبب إصرار المجتمعات في تهميش المرأة وممارسة الوصاية الذّكوريّة عليها مع أن فكرة التّكريم والتّقديس ظلّت لصيقة المرأة في الأديان والفلسفات الرّوحيّة القديمة؟
قد كانت المرأة مقدّسة عند الله، وفي الدّيانات السماويّة، والأدلّة فيها واضحة ولا تحتاج إلى شرح، (الرُسل الثّلاث موسى، وعيسى، ومحمد، صلى الله عليهم وسلم)، تربّوا على يدّ نساء، أمّا السّبب في التّهميش فيعود إلى خوف الرّجل الضّمني من المرأة، فهو يخاف من إعطائها الحرّية في السُّلطة، إذّ يستعمل الرّجل عقله وعضلاته في السُّلطة، وفي كلّ الحروب العسكريّة التي يخوضها تجدين القائد هو الرّجل.
انظري إلى ألمانيا حكمتها امرأة، هي “أنجيلا ميركل” حوالي ١٠ إلى ١٥سنة، وجعلت من دولتها في مقدّمة الدّول العالميّة، وهي تمتلك الآن أقوى اقتصاد في العالم، وانظري أيضاً إلى كرواتيا التي تحكمها امرأة، وعدد سكان هذه الدّولة حوالي ٥مليون، وقد تحرّرت من صندوق النّقد الدّولي، واعتمدت على العمل بالارتكاز على جهود شعبها، وكلّنا نذكر كيف خاض فريق دولتها مباريات كأس العالم، وقد قامت بدعمه ومناصرته.
لقد حُرّمت المرأة في بلادنا العربيّة من كثير من الأشياء وعانت وما تزال تعاني، وهنا لا أنفي حالات العنف بحقّها في أوروبا، ولكنّ العنف في بلادنا يتمّ استعماله عن جهل وخوف من عقل المرأة، لأنّ المرأة إذا سيطرت وتسيّدت ستتفوق على الرّجل من خلال قدرتها على التّفكير والتّوازن.
وتعلمين كيف يتمّ استعمال الآية الكريمة: “إِنَّ كَيدَكُنَّ عَظِيمٌ” والكيد هنا لا تعني الإساءة، وإنّما المقصود من هذه الكلمة هو التّخطيط، فالتّخطيط عندهنّ أقوى من تخطيط الشّيطان. هنّ يعرفن جيّداً كيف يحسبن الخطوات، وكأنّهنّ أمام رقعة شطرنج، فالمرأة، من وجهة نظري، تمتلك من ثلاث إلى أربع “غيغات” متقدّمة على الرّجل، والتّطبيقات عندها أكثر من تطبيقات الرّجل، ولكنّ الفرص المُتاحة لاستعمال هذه التّطبيقات هي تحت سيطرة الرّجل الذي لا يعطيها الفرص، ولكنّها تحاول وتسعى للتحرّر من الضّغط والإقصاء والتّهميش الحاصل ضدّها.
