أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأالمقالات عامةمقالات عشوائية

الوطن وخدعة الوطنية

د. مأمون علواني في حوار خاصّ مع د. فاطمة أحمد

-د. مأمون ما هو مفهوم الوطنيّة بالنّسبة إليك، وما معاييرها؟

من المؤكّد إنّ مصطلح الوطنيّة واسع وله معاني ومستويات وآفاق واسعة بحسب ما ورد في المعاجم. باعتقادي إنّ مصطلح الوطنيّة هو اختراع ينقسم إلى قسمين: أحدهما له علاقة بالسّياسة والسّياسيين والحكّام والدّيكتاتوريين الذين يحمّسون الشّعوب من أجل الالتحاق بالتّجنيد للدّفاع عن الوطن، والوطن هو مكان يحتوي الشّخص الذي يعيش فيه ويؤمّن له متطلّباته، فإذا كان الوطن هو الحاضن الحقيقيّ للشّعب أو للفرد ويؤمّن له كلّ شيء فهذا يعني أنّ هناك رابط قويّ يربط الفرد بهذا الوطن ليدافع عنه، ومن هنا جاءت مفردة الوطنيّة. والحقيقة إنّ الدّفاع هنا، وفق هذا المعنى، ليس عن الأرض لأنّ الأرض دائمة وباقية مهمّا مرّ عليها الأزمنة منذ بداية المعمورة. وإنّما من يتغيّر هو حكّامها، فعندما يُطلب من الفرد الدّفاع عن الوطن، فالمطلوب ضمنيّاً هو دفاع الفرد عن وجود حاكمه. فإن ذهب الوطن، وفق هذا المعنى، فقد معه عرش الحاكم وكرسيه. وليس الوطن هنا بمعنى فقدان الأرض.

وهنا لابدّ من القول: إنّ من يغيّر أحكام وقرارات وقوانين الوطن هذا لا يدخل في إطار مفهوم الوطن ومعناه، بل له علاقة بمفهوم الحكومة سواء أكانت ملكيّة أم جمهوريّة. إنّ مصطلح الوطن عند السّاسة هو عبارة عن كذبة كبيرة، كما قالها العديد من المثقّفين قبلي، بنيت عليها آمال الشّعوب الفقيرة لتكتنز وتمتلئ جيوب الكبار من أصحاب الشّأن.

إذاً الوطن كلمة اُستعملت واُستعمرت من قبل الرّؤوس الكبرى لخدمة مصالحهم الذّاتيّة، وهنا أقصد تحديداً لخدمة “الكرسي”، فالوطن بالنّسبة للزّعماء والسّاسة هو البقاء على الكرسي. إذ يُسخّرون النّاس من خلال الوطنيّة لاتّباع غريزة الدّفاع عن هذه الأرض التي ستُسلب منهم. والواقع أنّ المكان لن يُسلب، فهو باقٍ. بل الذي سيُسلب هو عرش الحكم أو “الكرسي” من الحاكم. لذلك يستعمل الحاكم مصطلح الوطن والوطنيّة من أجل تعزيز سُلطته وتوسيع رقعة حكمه الجغرافيّة.

الوطن والوطنية

سأحدّثك عن القسم الثاني أو النّاحية الثّانية من معنى الوطنيّة وهو: المحيط الذي يحيط بالإنسان ويحتويه، فهو كالرّحم الذي يحتوي الجنين، من هنا جاءت الوطنيّة بمعنى الحماية المطلقة التي يعيش الإنسان بداخلها. إذاً الوطنيّة كلمة تعبّر عن الحماية والأمان. ويعود هذا الأمان بشكل مباشر إلى الأمّ. وهنا أقول بمناسبة عيد الأمّ لكلّ أمّهات العالم من غير أيّ استثناء. كلّ عام وهنّ بألف خير. وأقولُ لمن فقد أمّه فليرحمهنّ اللّه ويسكنهنّ فسيح جنّاته. أمّا عنّي فكم أتمنّى أن أقدّم جزءاً من عمري فقط كي أكحّل عيني برؤية أمّي رحمها اللّه، وأقبّلها قبلتين على جبينها.

إذاً الوطن بالنّسبة للإنسان العادي أو بالنّسبة للشّعوب عامّةً هو الحنان والحماية المطلقة، ولكنّ هذا المعنى السّامي تمّ استغلاله من قبل أصحاب السّيوف والطّغاة وقوّاد العالم.

-وهل يختلف معنى الوطنيّة بحسب الأمكنة والأزمنة؟

طبعاً تختلف من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر. فالتّعامل مع الأرض ومعناه ومفهومه يختلف بحسب النّوايا والأهداف. فمسألة الدّفاع عن الوطن تمّ تعميمها عند كل الدّول من إيطاليا إلى روسيا … إذ كان الحكّام ينادون بالوطن، والمقصود منه تحقيق غاية أخرى. وصار معنى الوطن مرتبطاً بحسب مخطّطات كلّ حاكم أو قائد سياسيّ. في حين أنّ الوطن عند النّاس هو مكان ومرتعٌ للذّكريات الجميلة والذي يؤمّن لهم العيش الكريم.

ريتنغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى