أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأالمقالات عامة

هل ننجو من الندم؟

نور قاسم مطر

(النّدم) كلمة تكرّرت على مسامعنا كثيراً، وكثير منّا عاشها، وتركت في نفسه انطباعاً ما أو مفهوماً عن النّدم.  يخطئ البعض في إسقاط تجربته على الآخر، وجعلها قاعدة عامّة من دون النّظر إلى المعطيات وما يترتّب عليها.

البعض الآخر يرى أنّ النّدم قمّة الألم، والبعض يتحدّث عن قوقعة النّدم، وآخرون يصفونه بالاحتراق وما يقع فيه من ملامة، وقديماً قالوا: “عضَّ بنان النّدم”، تُرى إلى أيّ درجة يمكن أن يدفعنا النّدم لعضِّ البنان، وربّما لقضمها أيضاً؟!

لكلّ منّا تجربة في النّدم، ولا أتحدّث هنا عن النّدم والذّنب وما يعقبها من توبة، إنّما يقتصر حديثي عن النّدم بعد فوات الأوان كاختيار عمل لا نحبّه، أو دراسة لا تروقنا، أو مكان لا ننتمي إليه، أو قرار يزجّ بنا في القعر، وأعوام ستمضي حتّى نخرج من تلك البئر المظلمة، نحاول ونفشل إلى أن نرى النّور يترّب إلى أعيننا، فنتشبّث به لينشلنا من الجدران السّوداء.

الندم
الندم

ربّما تروق حياة النّدم للبعض فيصبح شخصاً ماضويّاً يعيش على الملامة وجلد الذّات، يعوم ويغرف من نفس البركة، كما قال “تولستوي”: “إنّ الحياة مع النّدم محطّ عذاب”، وهكذا بعض الأشخاص.

لعلّ أكثر ما يرافق النّدم هي مشاعر الألم، وما يعتصر القلب من حسرة وضياع، وما يتجمّع في الحَنجرة من قهر ولوم، هل هذا الشّعور الهائل بالنّدم يتشكّل لأنّ الإنسان يبحث عن حبّ، عن كمال، عن سعادة؟ وهل النّدم يرفع (عتبة الألم) لدينا لنصل إلى السّعادة المرجوّة أم أنّ الإنسان يهيم على وجهه بحثاً عنها ولا يجدها؟

قد وقد … لكنّ تجارب كثيرة للأشخاص النّاجحين تدلّ على أنّ للألم دوراً كبيراً في النّجاح والوصول إلى السّعادة، ومن تحدّث عن الألم وجعله أساساً للحياة الفيلسوف الألماني “آرثر شوبنهاور”، الذي يقول: “من السّخف أن نرى ونشعر بكمّيّة الألم الموجودة في هذا العالم، ونعتقد بعد ذلك ألّا فائدة منها”. هذه البذرة التي انطلق منها “شوبنهاور” في فلسفته التّشاؤميّة، ويعتبر أن الألم والمعاناة عنصران يقودان إلى السّعادة، بغض النّظر إن كنت أوافق فلسفته أو أخالفها لكن العبارة السّابقة تدعونا للتّأمُّل، فهل يستطيع النّدم وما يرافقه من ألم أن يخلق أوّل خطوة نحو السّعادة؟ وهل يستطيع أن يأخذنا للتّحليق ضمن مفاهيم مُغايرة للتّجربة التي عشناها؟

الندم
هل ننجو من الندم

قد أعطانا “أرسطو” جواباً قبل الميلاد في كتابه فنّ الشّعر، حيث عدّ الإبداع عمليّة تطهير من الألم، إذاً تجربة مُحبطة، أو قرار خاطئ … قد يقودنا إلى النّدم، والنّدم يقودنا إلى الألم، وهذا يدفع إلى للإبداع، إن كان هناك بذرة إبداع، وللنجاح والإصرار إن كان الإنسان محبّاً للحياة، فهل نعي؟

“النّدم هو الخط الثّاني”، اقتباس لعالم الأحياء “ريموند لاتارجيت”، وهو من الصّحة والمنطقيّة بمكان، إن أخطأنا مرّة فلمَ نكرر الأخطاء ونزرع المرار في أيّامنا؟! وكم من السّنوات تدور في نهر الألم ومستنقع النّدم؟ التّحسّر على الماضي لا يجدي شيئاً سوى تلاحق الأخطاء والعثرات، كما أشارت الكاتبة الإنكليزية “فيكتوريا هولت”: “لا تندم أبداً، فلو كان الماضي جيّداً فهذا رائع، ولو كان سيّئاً فهذه خبرة”.

لو تعاملنا مع النّدم بهذا الوعي لغدت الحياة نجاحاتٍ متلاحقة، وراحة نفسيّة تقود للهدوء والتّألّق.

هناك من يصنع ندمه ويقبع داخله متوارياً بعيداً عن الحياة، وهناك من يصنعه النّدم وينطلق إلى عالم الحياة والسّعادة.

الندم
عتبة الألم

ريتنغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى