“الميتا فيرس” رحلة البشر نحو تحقيق أحلامهم افتراضياً

سيضرب العالم في الوقت القريب موعداً مع تطوّر تكنولوجي هائل في عالم الاتصال والتّواصل الاجتماعي يُدعى “الميتا فيرس”، الذي سيكون أشدّ تأثيراً على نمط حياة الإنسان من جهة سلوكه وتعاملاته وحالته النّفسيّة وصولاً إلى العلاقات والرّوابط الاجتماعيّة. سيحقق مستخدمي هذه التّقنيّة كلّ ما يحلمون به، ولكن بشكلٍ افتراضي.
ظهر مصطلح “ميتا فيرس” لأوّل مرّة من خلال رواية الخيال العلمي “سنو كراش”، والتي ألّفها الكاتب “نيل ستيفنسون” في العام 1992، وتدور أحداثها حول تفاعل البشر، من خلال الشّبيه الافتراضي “أفاتار”، ويحتضن هذه التّفاعلات والتّعاملات فضاء افتراضي ثلاثي الأبعاد، مدعوم بتقنيّات الواقع المعزّز، فيما يشبه إلى حدٍّ كبير العالم الحقيقي. حيث قال عنه مدير شركة “فيسبوك”، “مارك زوكربيرغ”: “إنّ الأمر أشبه بتحويل الإنترنت إلى بيئة ثلاثيّة الأبعاد، لا يقتصر دور المستخدم على النّظر إليها أمام شاشته بل الدّخول في هذه البيئة بنفسه حتّى يصبح أحد عناصرها، ولتنفصل حواسّه عن عالمه الحقيقي فترة بقائه في العالم الافتراضي”.
يدخل المستخدم إلى هذا العالم ليجد نفسه داخل سلسلة من المجتمعات الافتراضيّة المترابطة، والتي لا نهاية لها، يمكنه من خلالها التقاء عدد كبير من النّاس المتاح التّعامل معهم إمّا للعمل أو اللّعب، كلّ ما يحتاجه لذلك سمّاعات الواقع الافتراضي، ونظّارات الواقع المعزّز وما ترتبط به من تطبيقات الهواتف الذّكيّة.
لن تقتصر الاستفادة من “ميتا فيرس” على ممارسة الألعاب أو حتّى عقد اجتماعات العمل بشكل افتراضي، بل ستتأثّر جميع الأنشطة التي يمارسها مستخدم الإنترنت بهذا العالم، فعلى سبيل المثال سيشهد التّسوق الإلكتروني نقلة نوعيّة داخل هذا العالم، حيث يكون المستخدم قادراً على معاينة أيّ شيء يريد شرائه عن قرب بدلاً من مجرّد معاينة صور في الشّكل التّقليدي المعروف الآن للمتاجر الإلكترونيّة.

مع تطوّر عوالم “ميتا فيرس” سيصبح كلّ نشاط إنساني في الواقع الحقيقي متاحاً بكلّ تفاصيله في العالم الافتراضي، الأمر الذي يعني أنّ الإنسان ربّما يكون قادراً على البقاء في العالم الافتراضي لفتراتٍ أطول، فهو إمّا مسترخياً في منزله الافتراضي أو يمارس إحدى الألعاب أو الرّياضات مع أصدقاء من مختلف أنحاء العالم، أو يعقد اجتماعات افتراضيّة أو يتسوّق ما يحتاجه من متاجر على الجانب الآخر من الكوكب.
خطورة ما تسعى إليه شركة “فيسبوك” عبر تقنيّتها المرتقبة “الميتا فيرس”، هو الاستحواذ على المزيد من البيانات الشّخصيّة، إذ لا يمكننا توقّع أن يبقى أيّ خصوصيّة، فبيانات الواقع الافتراضي هي بيانات “بييومتريّة”، وسيتمّ تسجيل كلّ حركة للبشر داخل هذه البيئة، وهو الأمر الذي يشبه (الحصاد العالمي) لجميع الخصائص الشّخصيّة والسّلوكيّة للبشر، وهو ما سيجعل النّاس عرضةً لكثير من الجرائم الإلكترونيّة، أكثر بكثير مما هو موجود حالياً.
هذا الواقع الافتراضي الجديد الذي يزعم “مارك”، أنّه واقعاً بديلاً للواقع الحسّي، يخلّ بالعلاقات الاجتماعيّة، كما سيكون لمشروع “ميتا فيرس” تداعيات تربويّة خطيرة.

المشروع كان يقدّم على أنّه روايات خيال علمي، ولكنّه يريد تحويل الإنسان إلى رجل آلي، ولذلك يجب أن يتوخى الجميع الحذر، وخصوصاً الأطفال لما له تأثير سلبي مباشر عليهم، لأنّهم أكثر فئة مستهدفة من مشروع “ميتا”، عن طريق الأفلام والألعاب الإلكترونيّة، وبالتّالي سيتمّ تنشئة الطّفل في عالم افتراضي غير حقيقي، وسيصعب عليه التّعامل مع واقعه الحقيقي، وهنا تكمن الكارثة.
إنّ أفضل طريقة للتّعامل مع “ميتا فيرس” بعد أن أصبح أمراً واقعاً، هو التّعامل معه بحرص وبشكل علمي، وعلى الآباء التّوعية المباشرة والمستمرّة لأبنائهم بكيفيّة وطرق الاستخدام الصّحيح لهذا الواقع الجديد، وعلى الشّباب استغلال تلك التّكنولوجيا الجديدة واستخدامها بشكل صحيح بما ينفعهم.