أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأالمقالات عامة

مساحة وعي (11) … الإسلام وفتنة المرأة

د. مأمون علواني في حوار خاص مع د. فاطمة أحمد

عندما يسمع د. مأمون كلمة “الفتنة” ماذا تعني بالنّسبة له؟ هل هي اختبار أم ابتلاء؟

بدايةً علينا توضيح معنى كلمة فتنة وفق المعاجم اللغويّة العربيّة التي تقول إنّ معناها هي: الابتلاء أو الاختبار أو الامتحان، فالفتنة مثلاً أن أضع على الطّاولة مائة درهم لكي أفتنك؛ أيّ أختبر أمانتك.  وحقيقةً لا أعرف كيف انتقلت هذه الكلمة إلى الجنس، وأقصد بالجنس هنا: التّفكير الدّائم في الأدوات التي تثير شهوات الذّكر. بمعنى آخر: ينظر الذّكر إلى المرأة على أنّها فتنة، أيّ إنّها تثير مكنونه الجسدي الفاقد للعقل، فلا يستطيع أن يرى فيها الحنان والعاطفة وأنّها تمثّل الوطن والأرض، بل يراها عبارة عن جسد يستمتع به.

وهل يُعقل أن يخلق اللَّهُ نصف المجتمع نساءً على أنّهنّ فتنة، وذلك كي يبلي الذّكر بهنّ؟! وكأنّ اللّه يبليهم بطعوماتٍ مثل الأسماك! للأسف الشّديد هذا هو التّفكير السّائد لدى الذّكور والمتعصّبين للخطاب الدّينيّ الذي يرى في المرأة أنّها فتنة، وهذا التّفسير والتّحليل من عندهم لا علاقة له بالقرآن الكريم. وأتحدّى هؤلاء الدّعاة والمفسّرون والمتعصّبون أن يأتوا بآيةٍ واحدةٍ تتحدّث عن الفتنة بكلّ معانيها ودلالاتها تلتصق بالمرأة أو لها علاقة بها.

إنّ كلمة الفتنة ليست لها علاقة بالمرأة على الإطلاق! المتعصّبون هم الذين اخترعوها وصنعوها وألصقوها بالمرأة كي يقلّصوا حجمها ويقلّلوا من قيمتها في المجتمع كي يضغطوا عليها ويبعدوها جانباً. ويعود السّبب في ذلك للعُقَد الموجودة عند الذّكر تجاه المرأة. انظري إلى مجتمعاتنا العربيّة التي تسودها مفاهيم مثل: “الفتنة” و”العورة” و”السّترة” و”العِرض و”الشّرف” و” الكرامة”… هذه الكلمات التي تُرتكب الجّرائم والمذابح باسمها هي غير موجودة في القرآن الكريم. إنّها موجودة وموروثة عن أعراف قبليّة وعشائريّة منذ مئات السّنين. لم ينزل القرآن الكريم على آل قريش فقط، بل على شعوب الأرض قاطبةً، ومع هذا تجدين المتعصّبين الذّكور يتعلّقون بأفكار قبليّة وبخطاب دينيّ مضى عليه أكثر من ١٣٠٠ سنة.

المرأة ليست الفتنة

إنّ هذه العقد النّفسيّة تمنع عقول المتعصّبين من فهم المعاني الموجودة في القرآن. وللأسف لا تزال مساحة الوعي الموجودة لدى مجتمعاتنا، وأقصد هنا العقل العربي الجمعي، مؤطّرة ضمن قوالب جامدة ومنغلقة على نفسها. وكلّما حاول أحدهم فهم القرآن الكريم بطريقة جديدة تمّ تكفيره، وهذه المحاولات الجديدة غالباً لا يكون أصحابها من خريجي المدارس أو الجامعات في الشّريعة، وإنّما هم أساتذة في الهندسة والفيزياء والخوارزميّات ويكون فهمهم وتفسيرهم للنّص القرآني مختلف تماماً عن العقد النّفسيّة عند رجال الدّين الذين يتمسّكون بالعنعنة مثل: عن فلان وفلان قال رسول الله.. ويذكرون الأحاديث الواردة عن النّبي الكريم قياماً وقعوداً ناسفين بذلك كلّيّاً القرآن الكريم.

وبلا شكّ أنّه مع كلّ مائة عام تأتي طائفة وتقرأ النّصّ القرآني بحسب العصر، ولذلك فإنّ التّفسيرات تختلف بحسب تطوّر أدوات المعرفة، فالقرآن ليس جامداً بل مستمراً ومواكباً لحياتنا وباقٍ حتّى يوم القيامة. لا يُعقل أن نظلّ متمسّكين بتفسيرات منذ مئات السّنين. هل يعقل أن يظلّ فهمنا ملتصقاً بها؟ وكأنّنا بذلك أشبه بالسّباق الذي يسافر أحدهم من خلال ركوب الطّائرة ليصل بسرعة إلى مكان ما، وفي المقابل يأتي أحد هؤلاء المفسّرون، وهو يركب الجمل من أجل الوصول أيضاً إلى ذات المكان، من ثمّ يلقي على الطّرف الأوّل وابل التّهم بالكفر والزّندقة، لأنّه استعمل أدوات الكفّار ووسائلهم!

إنّ حياتنا تتّجه نحو التّطوّر، وكذلك عقولنا تتحدّث بشكل مستمر، ولا يعقل أن نظلّ كما نحن منذ مئات السّنين. عليكم أيّها المفسّرون بـ”فرمتة” جماعيّة لعقولكم كي تستطيعوا فهم ما يجري من حولكم في العالم.

كفانا نلقي آذاننا لمن يتبجّح بالقول عن المرأة أنّها فتنة.

وإذا كانت المرأة بحسب هؤلاء المتبجّحون هي فتنة، فهل يعني أنّ الذّكر في بلادنا قد ابتلي بلاءً بزوجة أو ابنة أو أخت أو أم؟! هل يعقل أن يقول موسى لله عز وجل: “إن هي إلّا فتنتك” وهو يشير بذلك إلى المرأة مثلاً؟!  الفتنة هنا تعني الاختبار والابتلاء، ولا يقصد بها المرأة بكلّ تأكيد.

المرأة ليست الفتنة

إن كان هناك من يرى المرأة فتنة، ويرى بضرورة تغطية نفسها كاملة، فهذا رأي صاحبه، وهو حرّ برأيه، وغير مسموح له أن يلصقها بالقرآن الكريم ويجبر الآخرين عليه.

إنّ الحياة تتقدّم وتتطوّر على كافة الميادين الصّناعيّة والعلميّة والفكريّة، ولازالت هناك، للأسف، كلمات تتكرّر مثل: المرأة هي العورة والفتنة، وأعيد القول مرّة أخرى: لا علاقة مطلقاً بين المرأة والفتنة في القرآن الكريم.

وإذا وقع المرء في “الفتنة” ماذا يتوجّب عليه القيام به للخروج منها؟

إذا وقع المرء في الاختبار أو الابتلاء فما عليه إلّا اللجوء للعلم وفتح أشرعة عقله للفهم والوعي والتّنوير، وليس الذّهاب إلى كشك الفتاوى ليسأل عن كذا وكذا فتأتيه الإجابات المؤطّرة والمليئة بالعقد النّفسيّة.

أعيد القول لخطورة الأمر: لقد أُطِّر العقل العربي الجمعي بإطار سميك وغليظ. وكلّما أراد أحدهم بفتح فمه والتّفوّه بشيء مخالف لصانع هذا الإطار تنهال عليه الشّتائم والتّكفير والزّندقة وما يحلّلونه من قتل ونفي وسجن وتعذيب.

كم يؤسفني أنّ أمّتنا لا تستطيع صنع غسّالة كهربائيّة على سبيل المثال، في حين أنّها قادرة على صنع عقول جامدة! مع أنّ اللّه ذكر في كثير من الآيات ضرورة التّعقّل والفهم، كقوله: ” أفلا تتفكَّرون” “لعلّكم تعقلون”. أيّ أعمل عقلك ولا تجعله منقاداً إلى سفائف الأمور، وإلى بعض الأشخاص المليئين بالعقد والمتزمّتين لخطابهم الذّكوري الدّيني، والذين لا يقبلون إلّا برأيهم. وهم يدّعون حبّهم للرّسول محمّد صلّى اللَّه وعليه وسلّم وهم ليسوا كذلك.

إنّ السّادة الذين كتبوا الأحاديث نقلاً عن النّبي محمّد صلّى اللَّه وعليه وسلّم بعد تفاوت زمنيٍّ يقارب مائتي عام من وفاته، وقد احتاجوا إلى خمسين عام تقريباً لكي يصل إلينا، علماً أنّ الزّمن كفيل بنسيان الكثير من الأشياء، ولاسيّما أنّ اختراع الورق لمّا يكن موجوداً في ذاك الوقت، لذلك انتظروا هذه الفترة الطّويلة، وعلى امتدادها لابدّ أنّها تخلّلت بالنّزاعات والحروب وامتازت بالاجتهادات بالإضافة إلى الكثير من التّسييس والتّدسيس بالمقولات المزعومة وإلصاقها بالنّبي الأشرف محمّد صلّى اللَّه وعليه وسلّم. إن الرّسول الكريم لا ينطق إلا بالحقّ. يقول تعالى: “وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين” فهو لم يُرسَل من أجل قريش أو أهل مصر والشّام أو غيرهم، بل من أجل العالمين؛ أيّ لكلّ شعوب الأرض جمعاء. فالرّحمة هي رسالة الرّسول الكريم، وليس القتل والذّبح والعورة والشّرف كما هو سائد الآن. هذه الأشياء ليست موجودة في القرآن الكريم ولا عند النّبي صلّى اللَّه وعليه وسلّم. وإذا أرادت المرأة أن تغطّي ما تشاء من جسدها، فهي حرّة، ولكن شريطة ألّا تلصقها بالقرآن الكريم.

المرأة ليست الفتنة

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى