أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأمواهب واعدة

في يوم المرأة … حديث عن المرأة السّوريّة “أليس قندلفت- نموذجاً

عماد الدّين فارس

لم يكن حال المرأة السّوريّة، في مطلع القرن الماضي، بالصّورة التي حاول بعض صانعي المسلسلات التّلفزيونيّة أن يروجوها ويكرّسوها في العقل الجمعي لدى السّوريين وغيرهم، بل كان حالها على العكس تماماً، فشاركت بفعاليّةٍ في شتى مجالات الحياة، وكانت السّياسيّة والمحاربة والأديبة والشّاعرة والصّحفيّة، إلى جانب مهمّتها الطّبيعيّة كأمّ، وقد غُيبَ ذكر هؤلاء الرّائدات، ولم يعدنَ معروفاتٍ حتّى من خاصّة المثقفين.

برزت أسماءٌ نسائيّة على مرّ التّاريخ كانت خير مثالٍ لتمكّن المرأة من ممارسة مهامها وتمثيل بلادها داخليّاً وخارجيّاً خير تمثيل، ولكن العديد من هؤلاء النّساء أهملهن التّاريخ ولم يذكر أسماءهن كثيراً حتّى بتن منسيّاتٍ، القليل فقط من سمع بهنّ. ومن هؤلاء النّساء الممثّلة العربيّة الأولى في الأمم المتّحدة أليس قندلفت، والتي مثّلت بلادها (سورية).

المرأة السّوريّة

كانت أليس قندلفت أوّل امرأة عربيّة تدخل مبنى الأمم المتّحدة، في أربعينات القرن الماضي، كسفيرةٍ في مجلس الأمم المتّحدة ولتمثّل سورية المستقلّة حديثاً، فكانت أوّل سيّدة عربيّة مثّلت بلادها في المنظمة الدّوليّة وإحدى أوائل السّيدات على صعيد العالم فيها. في حين نجد أنّه في 1996 عيّن الرّئيس الأمريكي “بيل كلينتون” مندوبة بلاده في الأمم المتّحدة “مادلين أولبرايت” لتكون وزيرة للخارجيّة، لتصبح أوّل امرأة تتولّى هذا المنصب في الولايات المتحدة.

وثقت الأمم المتحدة لقاءات “أليس” مع العديد من الوفود الدّوليّة، كما دافعت في اللّقاء الدّولي لحقوق المرأة الاقتصاديّة أثناء الاجتماع الأربعين للأمم المتحدة عن حقوق المرأة في التملّك.

المرأة السّوريّة

كانت أليس مثالاً حيّاً لمن يؤمن بقضيّةٍ ويدافع عنها وصولاً إلى التّماهي معها حدّ الالتصاق، فكيف إذا كانت قضيّتها قضيّة وطنٍ يُراد به السّوء وبإمكانها أن تقدّم له من روحها وفكرها الدّفاع القوّي.

وأشارت بعض المصادر إلى أن “قندلفت” شاركت في أوّل اجتماعٍ تأسيسي لحزب البعث العربي الاشتراكي إلى جانب ميشيل عفلق وصلاح بيطار وآخرين عام 1939. كما شاركت بتأسيس المنتدى الفكري عام 1946 إلى جانب مدني الخيمي.

تذكر السّفيرة اللّبنانيّة مي ريحاني في كتابها من بيروت إلى واشنطن (الجزء الثّالث) لقاءها بها في حفل غداءٍ أقامته “اليونسكو” وحضره إلى جوارها الشّاعر العراقي أحمد الصّافي النّجفي والبروفيسور الفلسطيني المعروف إسحق موسى الحسيني وغيرهما، أنّ: “أليس كانت من السّيّدات الرّاقيات جدّاً، تنتمي إلى طبقة مثقّفة ندر وجودها في العالم العربي وقتئذ”.

ولدت أليس قندلفت عام 1895، في دمشق القديمة، ودرست في المدرسة الأرثوذكسية البطريركيّة (الآسية)، إلى نهاية المرحلة الإعداديّة، ثمّ انتقلت إلى بيروت وانتسبت إلى القسم الثّانوي في الكليّة البروتستانتية الوطنيّة السّوريّة (الجامعة الأميركيّة حاليّاً) ثمّ حصلت على درجة الماجستير في نيويورك. عادت من أميركا بعد إتمام الدّراسة لتعمل مع فارس الخوري، ثمّ مع عبد الرحمن الشّهبندر.

المرأة السّوريّة

أسست هذه المرأة السّوريّة أوّل صالون سياسي أدبي في سورية، كان يتجمّع فيه السّياسيون مثل فارس الخوري وصلاح الدّين البيطار وعمر أبو ريشة وميشيل عفلق وفخري البارودي ومحمد سليمان الأحمد وغيرهم الكثيرون. ومع اختفاء الحياة السّياسيّة في البلاد بُعَيد الوحدة مع مصر؛ انتقلت “قندلفت” إلى لبنان لتعيش فيه، وتوفيّت نصف السّتينيّات في بيروت ودُفِنَت فيها.

ما “أليس” إلا واحدة من كثيراتٍ تزخر بهن بلادنا وتعتز، وإنّنا لو أنصفنا أنفسنا وقرأنا تاريخنا الحديث أو القديم لوجدناه ملآناً بنساءٍ لمعنَ في سماء الشّرق وأبدعن، كمثل نازك العابد، وبنت الشّاطئ، وغيرهما، لعلّنا نضيء على بعض إنجازاتهن في قادم الأيّام.

المرأة السّوريّة

ريتنغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى