سُعار التّفوق الأوربي يطفو على السّطح
كُرمى عيون اللاجئ الأوكراني
رئيس التحرير: عامر فؤاد عامر

يعلو صوت التّكبّر والتّبجّح أثناء متابعة آخر مستجدات الحرب الرّوسيّة على أوكرانيا.
أصادف مجموعة من الأخبار التي تسلّط الضّوء على العنصريّة الأوروبّيّة في لسان حال إعلاميِّهم، مراسلين، ومذيعي نشرات الأخبار، ومقدّمي برامج، يعبّرون عن أسفهم وتعاطفهم مع الأوكراني الأوربي الذي يشبههم في الشّكل واللّون، ولا مشكلة إلى هنا؛ لكن تتّضح أنواع الوقاحة لدى مقارنة أولئك باللاجئين من دول أخرى مثل: فلسطين، العراق، سورية، أفغانستان، واليمن، فمن وجهة نظرهم هناك فرق كبير بين لاجئ وآخر، وذلك تبعاً لبلد المنشأ!
تقدّم قناة الجزيرة اعتذارها للجميع لما بدر من وقاحة مذيعٍ أوروبي يعمل في قناتها الإنجليزيّة، وتعد بإقامة تحقيق مع هذا الشّخص العنصري، الذي وجّه إهاناتٍ للاجئي الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا عندما قال على الهواء مباشرةً: “المفزع حقّاً هو مظهر الفارين؛ فهؤلاء أناس مزدهرون، هؤلاء الأوكرانيين ليسوا لاجئين يحاولون الهروب من مناطق في الشّرق الأوسط أو إفريقيا؛ إنّهم يبدون مثل أيّ عائلة أوربيّة تعيش في جوارنا”!

يعلو الغرور وتتمادى العنجهيّة أكثر فها هي بعض الأوساط الإعلاميّة في فرنسا تهيج بكثير من الاعتداءات اللّفظيّة، والتّطاول في الكلام مثل: “نحن نتحدّث عن أوكرانيين يقودون سياراتٍ مثل سياراتنا لا عن مهجّرين سوريين …”!
أمّا مراسل “بي بي سي” فيهذب تعبيره: “أنا حزين لأنّني أشاهد أناس أوروبّيين بعيون زرقاء، وشعر أشقر، يُقتلون”.

موازنة غربيّة بين لاجئي أوكرانيا ولاجئي أيّ بلدٍ غير أوربي؛ فبيض البشرة وشُقر الشّعر وملوّنو العيون تعني بالنسبة إليهم إنساناً من درجة أولى أمّا مواطنون من دول العالم الثّالث فتعني إنسان من الدّرجة الأقل بكثير مما يخطر في البال! لكن لا مشكلة من احتلالكم أراضيهم ولا تهجيرهم من أوطانهم، والتّحكم بهم مهجرين أو لاجئين، ولا ضير إن استنزفتم ثروات بلادهم وما تحويه من خيراتٍ ولو لعشرات السّنين، ولا عيب في تجربتكم الأسلحة الفتّاكة فيها أو على شعوبها، ولا مشكلة في افتضاح أخبار دفنكم مخلفاتكم الكيمياويّة أو النّوويّة في صحاري بلادهم؟!
تلك الصّفاقة انتشرت بألوان فاقعة، توضّح ثقافة الأوربي، والحقد الدّفين تجاه الآخر، ويؤكّد كلام مراسل شبكة “سي بي أس نيوز” الأمريكيّة ذلك عندما وصف أوكرانيا خلال عمله في إحدى التّغطيات: “إنّ هذه البلد أوروبّيّة ومتحضّرة نسبيّاً مقارنةً بالعراق وأفغانستان”!

لكن يبلغ الاعوجاج حالته الأعظم عندما نقرأ في تصريحات سياسيين أوروبّيين مثل رئيس وزراء بلغاريا حيث قال: “اللاجئون الأوكرانيون ليسوا من نوع اللاجئين الذين اعتدنا عليهم إنّهم مثقفون أوربيون ومتعلّمون”! أمّا وزيرة الخارجيّة البريطانيّة فتعلن دعم مواطني بلادها الرّاغبين للذّهاب والقتال في أوكرانيا، فقد انفعلت حدّ الكفاية لأنّ نوع اللاجئ هنا يحرّك من جمود ضميرها!
يجب ألا نخجل اليوم من التّوقف عن فضح عقدة تفوّق الأوروبّي على غيره، فإخفائه لها خلف ستار الحضارة هو كذبة كبيرة، وما أقبح الإنسانيّة عندما ترخي بظلالها لاستقبال لاجئ بمواصفاتٍ محدّدةٍ في حين توصد أبوابها بقسوة أمام أطفالٍ ونساءٍ لأنّهم فقط جاؤوا من العراق أو سورية أو أيّ بلدٍ آخر.
