الغيرة تحوِّل طفلة إلى سارقة!

ما زال هذا الموقف ينخر رأسي! عندما قام جدّي بشراء قطعة حلوى كبيرة الحجم لابن خالي، ومُنحت منها قطعة صغيرة الحجم، وقيل لي هذه ليست للشّبع إنّما للتّذوّق فقط، أخذت فُتات الحلوى والتهمتها بحقد، وأنا أفكّر كيف سأنتقم من جدّي، وخالاتي، وعائلة أمّي جميعاً، وكنتُ صغيرة السّن آنذاك.
بالطبع لم أجرؤ على ضرب أحدهم، لكنّني شتمتهم في داخلي ما استطعت، وأذكر أنّ فكرةً شيطانيّةً لمعت في رأسي حينها، وهي سرقة قطعة الحلوى الكبيرة والتهامها لوحدي، وبالفعل انتظرتُ حتّى غَفل الجميع عنّي، وسرقتها من الثّلاجة، وهربت بعيداً عن بيت جدّي، وقصدتُ بيت جدّتي لأبي، حيث كنت أشعر أنّني الطّفلة المدلّلة، المحاطة بالحبّ والرّعاية، إذ كانت جدّتي تتحوّل لنمرٍ متوحّشٍ عندما يقترب أحد منّي، أو يقول أيّ كلمة عني.
بالطبع لو كان هناك عدل أو حتّى لو مثّلوا العدل أمامي، لما اضطررت أن أكون طفلة سارقة، فهذه العادة أصبحت ترافقني تجاه أيّ شيىء يخصّ ابن خالي، حتّى أنّني كنت أضربه كلّما سمحت لي الفرصة، واشتم خالاتي، وجدّي أمام الجميع.

والديّ كانا بعيدين عني في دمشق، وأنا كما كلّ صيف أذهب إلى القرية أمضي الوقت هناك، وأستكشف الأقارب، وكيف يميزون الأحفاد عن بعضهم بطريقة مهينة، حيث كانوا يتحدّثون معي بنبرةٍ لا تناسب طفلة في السّادسة أو السّابعة من العمر، ويطلبون منّي التّصرّف كالنّساء الكبيرات، لكن لا يهم؛ طالما لديّ جدّة ستقلع عيونهم، ولسانٌ سليطٌ سيشتمهم.
إنّه لمن المقرف جدّاً أن يقولوا عنّي ابنة الغريب، وعن ابن خالي ابنهم الحبيب! على الرّغم من أن أبي كان مسالماً لم يقترف بحقّهم أيّ خطأ، وأمّي كذلك كانت لطيفة ودودة، تملك من الطّيبة ما لا يملكه أيّ شخص في هذا الكوكب.
الآن وبعد أن أصبحتُ في السّادسة والعشرين من العمر، وتوفي جدّي رحمه الله وغفر له، وتغيّر الزّمن وانقلبت المعادلات، وأصبحت لا أزورهم سوى في المناسبات الاجتماعيّة القليلة، أصبحوا يسألون عنّي ويفتّشون عن جديدي في مجال الإعلام، وأنا في غاية اللّطف معهم، لكن ذاكرة الطّفولة تلعنهم، وترفض الحذف من أرشيفها قطعة الحلوى تلك التي حرموني منها فقمت بسرقتها، واستمرّت هذه العادة حتّى وإن قاموا بوضع الأشياء تحت القفل، حيث أصبحت سرقة الملذّات والألعاب من ابن خالي قضيّة طفولتي، على الرّغم من أنّنا الآن أصدقاء جدّاً، ولم أكرهه في يوماً.
قرأت سابقاً عن خبراء علم الاجتماع والنّفس، بأنّهم ينصحون بمعاملة الأجداد للأحفاد على قدم المساواة، أيّ ألّا يتم تفضيل أحدهم على الآخر، حتّى لا يتمّ زرع الفتنة بين الآباء الأشقاء، فتواصل الأجيال أمر ضروري.
أقول لكم بدوري وعن تجربةٍ مررت فيها: أرجوكم أن تعدلوا بين الأحفاد، وأن تضعوا بعين الاعتبار أنّ ذاكرة الطّفل كذاكرة الجمل، لا تنسى ولا تغفر، وإن لم تستطيعوا ذلك، على الأقلّ تداركوا تقسيم الملذّات والهدايا أمام بعضهم البعض.
