أحدث المقالاتمواهب واعدة

العقل العربي محشور بين فكّي الانحسار الوظيفي ومخاوف الاستقلال المالي …

علي خالد

منذ نعومة أظفار الجمهوريّات، والممالك العربيّة، تمحّورت رغبات الأفراد حول نعيم الضّمانات الوظيفيّة، في كلا القطّاعين العام والخاصّ، وتمركزت بوصلتهم بين تفادي الاستقطاعات، ونيل العلاوات، وذلك ما أدّى إلى تلاشي الفكر الاستثماري بنسبة أحدثت انهيار في السّدود الاقتصاديّة، وازداد الأمر سوءً عندما ساهمت الأسر بتوريث هذا النّمط الفكري للأبناء، حيث كانت النّتيجة تشكّل جيل يفتقد لجرأة الخوض في التّجارب غير المضمونة، مجموعة أفراد يصعب عليهم التّشّكيك في موروثهم الفكري، والاعتقادي تفادياً لحدوث الأسوء.

انتشر في السّنوات الأخيرة مصطلح “فريلانسرز” بشكل كبير حول العالم، والذي يشير لأصحاب الأعمال المستقلّين بمشاريعهم، حيث ظهر الكثير من رواد الأعمال الشّباب الذين دخلوا المنافسة في السّوق الحرّ بأفكار حداثيّة، كَثُرَ مستهلكوها في القرن الحالي، منها: “تصميم وبرمجة التّطبيقات – التّداول – الشّركات الإعلانيّة – تصميم مواقع الويب سايت، وغيرها”، والمثير في الأمر أن تلك المشاريع لا تبدأ برأس مال مرتفع؛ كلّ ما يحتاجه الفرد اكتساب الخبرة عن طريق الدّورات التّعليميّة، والحصول على جهاز كمبيوتر بكفاءة جيّدة.

تُعدُّ المجالات المذكورة أعلاه منافذ تسهّل للأفراد مواكبة السّباق التّكنولوجي، والتّجاري، حول العالم، فنحن على بُعد خطوات قليلة عن هيمنة الثّورة الرّقميّة، وتلاشي الأساليب التّقليديّة، التي لم تعد قادرة على مجاراة المستحدثات بقدمٍ مكسورة، وعكّاز.

ما نسلّط عليه الضّوء، هو لزوم استيعاب الشّريحة الشّبابيّة في الوطن العربي، لتلك المتغيّرات السّريعة، والانخراط بين مساراتها فوراً، لضمان حصولهم على حياة زاخرة بالنجاح والتّقدّم، بدل المطالبات المثيرة للشّفقة للحصول على وظائف براتبٍ ثابت.

تحديد تسعيرات للأفراد من قبل أرباب العمل لا يختلف كثيراً عن عصور الاستعباد، حيث يقف الموظفين كما يقف العبيد في طوابير، وفي أعناقهم سلسلة تدعى: الراتب، توفّر لهم الطّعام ثمّ تستنزفهم حتى تضمن احتياجهم لكرسي بدولاب، وفي حال تقرّر الاستغناء عن خدماتهم سيكون ذلك من دون تأمينات، ولا أي نوع من التّعويضات، وهكذا تتكرّر الأساليب الاحتكاريّة في كلّ العصور، ولكن بأزياء لا تستفز مطرقة القضاء الأخلاقيّة، ولا مدّعي الحقوق الإنسانيّة.

إضافةً لذلك استبدادنا بموروثنا التّجاري البدائي، يدفعنا للاحتراق، ويدفع العالم للجنون فلم نعد نشكّل سوى عبئ يعيق تقدّم القافلة التّجاريّة حول العالم، إذّ بدأت العملات الورقيّة تبدو خجلة في زمن الثّورة الرّقميّة، حيث يكسب الفرد الواحد بواسطة التّعاملات الرّقميّة في اليوم عشرة أضعاف ما يكسبه الفرد المتأخر طوال سنة من تعاملاته الكلاسيكيّة، وهذا ما يجعلنا مضطرين لإعادة النظر في أوراقنا مجدداً لاستيعاب ما يحدث في العالم.

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
1 تعليق
الأحدث
الأقدم الأكثر تصويت
Inline Feedbacks
عرض كل التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى