العالم يحتضر و”السّنونو” يغنّي عتابا …
د. فاطمة أحمد

كنتُ قد عاهدتُ نفسي بالتزام الصّمت، وعدم الحديث عن مسلسل “السّنونو” للفنان الكبير “ياسر العظمة”، والذي يُعرض حالياً على قناة “أبو ظبي”، وذلك حتى انتهاء عرض كامل حلقاته، إلا أن القلم باغتني وسارع قبلي إلى الكتابة، ولم ينتظرني حتى أُنهي مشاهدة جميع الحلقات، وأستجمع أفكاري وأكوّن رأياً كاملاً للحديث عنه.
ما الذي حصل إذاً؟ إنّها خيبة الأمل التي تصيب كلّ شيء حتى صاحبها، وهذا ما حدث بعد عرض الحلقات الأولى من مسلسل “السنونو”، إذّ كانت الجماهير العربيّة تحبس أنفاسها لمشاهدة الأسطورة “ياسر العظمة” على الشّاشة الصّغيرة بعد غياب سنوات طوال، إلا أنّها شعرت بالصّدمة الحقيقية تجاه هذا العرض.
لقد عمّ على أجواء المسلسل خلال حلقاته المعروضة حتّى الآن ملامح البرود المستفز الذي لم يعتده الجمهور العربي من تجارب “ياسر العظمة” الفنيّة سواء أكانت على مستوى السّيناريو والإعداد أم التّمثيل أم الإخراج، وسنتحدّث عن كلّ واحدة منها على انفراد، ولكن قبل ذلك علينا ألّا ننكر فضل الفنان “ياسر العظمة” علينا في رسم صورة جميلة للدّراما العفويّة الصّادقة، وذلك من خلال سلسلة مرايا المعروفة في أرجاء الوطن العربي. فهو المحبوب لجميع العائلات العربيّة والسّوريّة على وجه التّحديد، وله الرّيادة في رسم معالم النّقد السّاخر في الدّراما العربيّة، وإجراء حالة تصالح مشهود مع الثّقافة “غير العالمة” المتجليّة في الحكايات والأقوال والأمثلة الشّعبيّة، وشخصيّاً كنتُ كثيراً ما أستشهد بمقولاته ومواقفه في حياتي الاجتماعيّة لقوّة حضوره وتأثيره الكبير.

فجوات السيناريو …
قدّم المسلسل نماذج لشخصيّات تعيش في أبراجها العاجيّة، ومن مواقعها المستقلّة البعيدة عن حركة الشّارع العربي وأسئلته وهمومه ومشكلاته، إذّ تعيش أغلب شخصيّات المسلسل حالة أرستقراطيّة بذخيّة فارغة لا تحمل معاني أو غايات عميقة، وكأنّنا أمام أناس شبه منفصلين عن العالم الذي نعيش فيه، ناهيك عن الحوارات المترهلة والرتيبة التي لا تحمل في ثناياها مغزىً مفيداً للمشاهد العربي.
إنّه الملل الطّاغي في العمل نتيجة الحشو الذي لا داعي له في فكرة النّص وحواراته، إذّ يفتقر سيناريو العمل إلى عنصري الدّهشة والمفاجأة التي تسحر حواس المشاهد وعقله.
فروقات الأداء …
لقد كانت الاختلافات الشّاسعة بين أداء الممثلين واضحة تماماً، ولا خلاف عليه من قبل أيّ مشاهد مبتدئ للدّراما، وربّما لم يكن العيب في أداء جميع الممثّلين بل في طبيعة الأدوار التي أوكلت إليهم، والتي خلقت فروقات في اللغات واللّهجات والأفكار والشّخصيّات، وأضفت على العمل حالة استرخاء كلّي غير مبرّر نتيجة حشد كثير من الجنسيّات في العمل. ولعلّ الفنّان “ياسر العظمة” هو النّاجي الوحيد في هذا العمل بالمحافظة على قوّة أدائه وجمال حضوره وعفويّته.
الإخراج الباهت …
لا شيء يشفع للمخرج من تدهور أدائه في العمل! فالمخرج الفذّ هو من يحوّل التّراب إلى الذّهب من خلال القدرة على إظهار التّفاصيل والبراعة في استعمال أدواته “التّكنيكيّة” عند المواقف المناسبة، وهو الذي يشدّك للمشاهدة، وإنّ كنت غير راضٍ عمّا يتمّ طرحه من أفكار وحوارات.
وللأسف الشّديد لم تنجح العين الإخراجيّة في نقل صورة واقعيّة ونابضة عن المجتمع العربي! وحتى نكون موضوعيين، فلنتّفق على أن تجربة المخرج لم تكن موفّقة في عمل مسلسل “السنونو”، ولربّما كانت هذه التّجربة قد تجد طريقها إلى النّجاح في السّينما.
