العالم الافتراضي … الملاذ الآمن لمن أضاع ذاته

لم تعد قضيّة تقنيّة، الـ”ميتافيرس”، قصّة خيال علمي ربّما تتحقق أو لا، بل باتت واقعاً قريباً جدّاً، ستخلق عالماً موازياً لعالمنا، سيعيش فيه المستخدمين من دون الحاجة للمغادرة، سيكونون مغمورين بالكامل في هذا العالم الافتراضي.
ستكون المدن داخل هذا العالم، كالتي ظهرت في فيلم “هابير ريالتي”، حيث اندمجت فيها الحقائق المادّيّة والافتراضيّة، وكانت المدينة مشبعة بالوسائط.
الواقع الممتد “إيكستاند ريالتي” الذي يجمع بين العالم الافتراضي المعزّز، والعالم الواقعي، هو الفكرة التي تمثّل الطّفرة القادمة في عالم الإنترنت، وستصبح الوسيلة الرّئيسة للمشاركة الاجتماعيّة والتّجاريّة.

مستقبل البشريّة مع “ميتافيرس”
في حلول عام2030 سيميل البشر إلى قضاء معظم أوقاتهم في الفضاء الرّقمي، وسيتحوّل العالم الافتراضي إلى حقيقة يعيشونها.
سيقلّ التّرابط الأسري، وينعزل الشّخص عن المحيطين به، ويفضّل أن يبقى بصحبة أشخاص لا علاقة له بهم في الواقع، لكنّهم يتعارفون بلعبهم لبعض الألعاب أو أداء بعض الأنشطة المشتركة على الإنترنت.
نرى في هذه الأيّام أطفالاً يعكفون على لُعْبَة معيّنة مدّة ساعاتٍ طويلةٍ لدرجة أنّهم لا يفكّرون في الطّعام أو الشّراب أو النّوم؛ وبعض منهم قضى نحبه، ومنهم من أصيب بالمرض، كأن هذه الألعاب تسلب الدّماغ وتُسيطر عليه كليّاً!
الـ”ميتافيرس” خطر قادم على البشر لما سيحدثه من أضرار في الصّحة العقليّة والنّفسيّة على مستخدميه وهذا ما لاحظه الأطبّاء، هو حدوث أعراض انسحاب من الحياة الحقيقيّة، ولاحظوا أيضاً حالات اكتئاب وهوس، عند تعامل بعض المستخدمين مع الألعاب والتّطبيقات عبر الإنترنت بصيغ مشابهة للـ”ميتافيرس”!
في الصين انتحر طفل يبلغ من العمر 13 عاماً بسبب لعبة يطلق عليها “ووركرافت” لعب فيها مدّة 36 ساعة متواصلة.
في “نيو مكسيكو” تُوفّيت طفلة عمرها 3 سنوات نتيجة الجفاف وسوء التّغذية، بعد مداومتها اللّعب على الإنترنت مدة 15 ساعة.

العيش في العالم الافتراضي
لا شكَّ أنّ الحملات الدّعائيّة والإعلانيّة والتّرويجيّة لتقنيّة “ميتافيرس”؛ التي تعتمد مبدأ الإبهار والتّسويق، سيزيد إقبال البعض على العيش في هذا العالم الافتراضي، ويجعل روّاده ضعفاء لن يستطيعوا مقاومة واقعهم الحقيقي، الذي لا يملكون فيه شيء مقارنةً بعالمهم الافتراضي كونهم سيحقّقون ما كانوا يرغبون به. لكن كلّ ذلك (وهمٌ على وهم وسرابٌ بسراب). ربّما يصل الأمر عند البعض إن وجدوا ما يُغنيهم عن الحاجات الأساسيّة للحياة من طعام وشراب داخل عالم “ميتافيرس”، لاستغنوا عن الحياة الحقيقيّة أصلاً.
دراسات…
خلّصت بعض الدّراسات الاجتماعيّة والطّبيّة لبعض الأسباب التي ستدفع النّاس للدّخول إلى العالم الافتراضي عموماً:
نقص الرّعاية الأبويّة، وإهمال الأطفال أمام الشّاشات مدّة طويلة.
غياب الحبّ والدّفء الأسري.
ضعف التّواصل بين أفراد الأسرة.
عدم الرّضا بالحال.
حيث سيكون “ميتافيرس” بالنسبة للبعض هو الملاذ الآمن، الذي يجد فيه المرء ذاته الضّائعة، ويجد كلّ الرّضا في البقاء داخل العالم الافتراضي.

تأثير الـ”ميتافيرس” في نفسيّة المستخدمين
إنّ أخطر تأثير على الصّحّة النّفسيّة لهذا الطّوفان الرّقمي “ميتافيرس”، هو تغيير نمط تفكير الأشخاص في الحياة، وتحوّل الإدراك الحسّي بالأشياء، فتصبح المشاعر الإنسانيّة والحياة الاجتماعيّة غريبة وغير معروفة.
عند النّظر في المشاكل التي يسبّبها الاستخدام المفرط لألعاب الفيديو عبر الإنترنت:
الانفصال عن الواقع، والهلاوس والهوس.
الهروب إلى العالم الافتراضي.
الإدمان السّلوكي وفقدان السّيطرة على النّفس.
انخفاض التّحصيل الدّراسي.
التّوتر والقلق النّفسي.
الافتقار إلى الأصدقاء الحقيقين.
نقص المهارات الاجتماعيّة.
مشكلات نفسيّة وجسديّة.
ويندرج كلّ ذلك تحت مُسمّى (اضطراب ألعاب الإنترنت)، الذي ينتشر بصورة أكبر بين الذّكور عن الإناث.
وإذا كانت كلّ هذه المشكلات تتعلّق بألعاب الفيديو، فهي حتماً ستكون أشدّ وأخطر مع انطلاق عالم “ميتافيرس”. الذي بدأت الدّعاية تعمل لصالحه من دون النّظر إلى مدى تأثير ذلك المنتج على صحّة العقول من دون أن يخضع إلى أيّ اختبارات علميّة تدرس تأثيره على الصّحّة النّفسيّة للمستخدم.
الاستخدام المُفرط للتّقنيّات الحديثة سيؤثّر على التّواصل الأسري بشكل كبير، يضاف إليه زيادة نسب المشاكل الزّوجيّة نتيجة غياب التّواصل، والتي قد تصل للعنف الأسري والطّلاق، وأيضاً عدم الرّقابة الأسريّة على الأطفال قد يجعلهم فريسة لأفكار تتنافى مع قيم مجتمعنا وثقافتنا العربيّة.
غياب الرّقابة قد يؤدّي إلى استغلال فطرة الطّفل وجعله يساير أفكار قد تدفعه في الأخير إلى الانتحار كـ (لعبة الحوت الأزرق) التي تسبّبت في أكثر من حالة انتحار في مجتمعنا.
السؤال المطروح دوماً، كيف سيتعامل البشر مع تقنيّة “ميتافيرس” المستجدّة والمرتقبة على حدٍّ سواء؟ هل سيكونون أكثر وعياً ويستفيدون منها بدلًاً من الغرق في مستنقعات الشّتات والتّفكّك المجتمعي!؟
