أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأ

الضّحك أحياناً يسبّب الموت ولا يفتّح لون البشرة!

بشار دولة

عاداتنا كبشرٍ عاطفيين بقدرٍ لا بدّ منه، أنّ نقف مع من يتألّم، مع من يتوجّع، نخفّفُ عنه آلامه سواء كان صديقاً أم أخاً أو حبيبياً، نفعل كلّ هذا حتى نجعله يبتسم، ويكملُ حياته بشيءٍ من الرّضا والقناعة، المهم ألا يحزن، من الأكثر أهميّة ألا يعتصر قلبه، ويبكي.

شتّتني سؤالُ أحدهم، وهو يحاول طرحه بشكلٍ فكاهي، قال لي: لماذا لا نريد للنّاس أن تبكي؟ لماذا كلّ ما كفكف أحدهُم دمعةً، تأخذنا مشاعر تعاطف معه؟ هل البكاء شيء غير صحيح؟ من قال أنّ البكاء حزن دائماً؟ أصلاً كيف عرفنا أنّ نقيض الحزن هو الفرح المتمثّل بالضحك؟ لماذا نقف مع من يبكي ونطبّطب على جراحه؟ ولا نساعد من يضحك كثيراً ونحتوي آلامه؟

أجبته على الفور وبكلّ ثقة: البكاء من الأكيد هو نتاج الحزن في أغلب الأوقات، لكن أصادقك القول أنّ الضّحك ليس شيئاً طبيعيّاً دائماً والضّحك الكثير أحياناً، لا يدلُّ على الفرح العارم أو السّعادة البالغة، وإنّ من يضحك ربّما يحاول التّخفيف عن آلامه، أو ربّما يحاول الهروب من أوجاعه عبر مجموعة من القهقهات المصطنعة بصعوبةٍ شديدة، معتقداً وحسب المعايير الاجتماعيّة الشّائعة أنّ الضّحك يصحّحُ الأحوال، ويصلحُ الأخطاء، ويقيل العثرات، والحقيقة قد يكون الضّحك النّاتج عن غير السّعادة، هو ألمٌ مضاعف، وغصاتٌ قاتلة لصاحبها.

الضّحك أحياناً يسبّب الموت ولا يفتّح لون البشرة!

علميّاً الفوائد الصّحيّة للضّحك كثيرة، فهو يزيد من صحّة القلب، وصحّة عضلات الحجاب الحاجز، ويعزّز  تقليل مستوى هرمونات التّوتر في الجسم، ألا وهي: هرمون “كورتيزون”، وهرمون “أدرينالين”، وبالمقابل يزيد الضّحك من مستوى الهرمونات المعزّزة لصحّة الجسم مثل “دوبامين”، و”إندروفين”، مما يزوّد جهاز المناعة بحصانة، وقوّة إضافيّتين.

إلا أنّ كثرته قد تسبّب تلف في الأوعية الدّمويّة، أو نوبات من الإغماء، تؤدّي للوفاة.

أشار بعض خبراء علم النّفس؛ إلى أنّ الإنسان الضّحوك بصوت قهقهةٍ مرتفع على الأغلب هو مريض (اضطراب هوس الاكتئاب)، والضّحك غالباً يكون بسبب الاكتئاب الذي يعيش فيه الشّخص، مما يجعل جهازه التّنفسي له ردود أفعال عكسيّة، فيبدّل شعور الحزن بالضّحك.

الممثلون الكوميديون، الذين أضحكوا كثير من النّاس، معظمهم يمتلأ بالغصّات والبلايا المخفيّة، لا يراها ويعرفها أحد غيرهم، حتّى أفرد خبراء السّينما والمسرح نوعاً آخر سمّوه الكوميديا السّوداء، تشارلي شابلن أضحك العالم بصمته، من دون أنّ يحرّك شفتيه، لكنّه كان يعاني من ألم نفسي، بشهادة الطّبيب النّفسي المعروف د. “ستيفن وايزمان”، حيث قال أنّ مصدر الحزن الحقيقي لـ”شابلن” لم يكن بسبب الفقر والحرمان، وطفولته الصّعبة التي عاشها، بل في فقدانه لوالدته بالدّرجة الأولى.

فكم من أشخاصٍ نعرفهم، تختلف حقائقهم عن العلن عمّا هي في السّرّ؟! كم من أحدٍ يضحك أمامك، فتقول: يا لهذا الإنسان “الفرفوش”، لكن جدران غرفته تشهدُ على ألمه، وبكائه، يوميّاً.

الضّحك أحياناً يسبّب الموت ولا يفتّح لون البشرة!

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى