إقرأالمقالات عامة

الصدام بين الحضارات…

المفكر عبد الواحد علواني

“هنتيغتون” الذي حذر من صدام الحضارات، لم يتراجع أمام نقاده الذين بينوا أن الصدام داخل الحضارات كان أشد ضرواة وأكثر تكلفة من الصدام بينها على الحدود الفاصلة، ولكنه بعد أن استغرق في الحالة الأميركية تحديداً، بات يتحرك في فضاء منتقديه، فالمقالات التي كتبها “هنتيغتون” قبل رحيله (نشرت في الفورين بوليسي-الطبعة العربية) كانت تنصب على المزيج المتفجر للولايات المتحدة، وكرس أكثر من مقالة في التحذير من العنصر اللاتيني المتضخم والمتمسك بثقافته الخاصة، وفي نفس الفترة ظهر مصطلح (الولايات اللا متحدة الأميركية) في عدد من المقالات والكتب.. إن أهم عناصر الوحدة الأميركية من وجهة نظر الممارسة السياسية كان دوما وجود عدو قوي متربص، إذا لم يكن موجوداً سعوا إلى خلقه وإيجاده، ولذلك كان تصنيع الإسلاموفوبيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ضرورة لوحدة الخمسين ولاية… إن المجتمع الأميركي مجتمع مليء بالمتناقضات، والحرص على إبقاء الثقافة الأميركية في شكلها الراهن، وبثقافة استهلاكية سهلة وبسيطة وقادرة على الاختراق من خلال آلة إعلامية عملاقة هو أيضاً أحد أهم العوامل التي يعتمد عليها السياسيون من أجل إخماد أي نزعات ثقافية محلية تتوثب لبناء هويات داخل الهوية الأميركية..

استمرار الولايات المتحدة في نهجها هذا الذي يؤدي اليوم إلى تفتيت العالم على أسس عصبية، لن تكون بمنأى عنه لسببين، لأن كل القوميات والطوائف والأديان لها امتدادات داخل المجتمع الأميركي، كما إن هذا التفتيت سينهي فكرة الخطر الخارجي المحدق بالأميركيين، مما يمهد للتحرر من الهوية العامة إلى هويات جزئية وخاصة تتعارض فيما بينها بشدة..

بقناعتي أن الولايات المتحدة يجب أن تدرك أن الأفكار الفاسدة مثل الجوائح الوبائية، يجب تعقيم العالم بأكمله منها أو أنها ستتسرب ولن يسلم من أذاها أحد.. ولا أعتقد أنها ستدرك هذا وهي مأخوذة بقوتها وغرورها واستصغارها لبقية العالم أو كما قال نيكسون ذات يوم: (نحن سادة العالم والباقون ماسحو أحذية ….).

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى