أحدث الأخبار الفنيةأحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأاخبار فنية عامةالمقالات عامةسلايد اخبار فنيةمقالات عشوائيةمواهب واعدة

الشوكولا الحامضة

د. فاطمة أحمد

خدعوك عندما قالوا لك: إنّ الفنّ غايته الفنّ ولا علاقة له بالأخلاق! وخدعوك أيضاً عندما أخبروك: إنّ الفنّ يقدّم لك الفائدة والمتعة على الدّوام … ففي بلادنا تنقلب نظريّات الفنّ والدّراما والجمال رأساً على عقب، وتتحوّل نكهة الشوكولا إلى حامضة! فلا يغدو الفنّ فنّاً ولا يغدو الجمال جمالاً بل يتّجه إلى إشعال المزيد من الخراب الفكري.

صدّقوني لا قيمة للإخراج وجودة الكاميرا وحركتها وأداء الممثلين وبراعتهم وما يسرف من أموال باهظة في سبيل رفع مستوى العناصر الفنيّة إذا كان النّصّ رديئاً من حيث الفكرة والسيناريو والحوار! ولعلّ الفكرة هي الأصل، فإذا كانت الفكرة مبتذلة وتسعى إلى طرح السّخف والتّرويج له فلن تنتج إلّا ردّة فعل كاسحة وهجوماً من قبل متابعيها. وربّما هذا، في السّنوات العشر الأخيرة، ليس بالأمر الغريب عن أعمالنا الفنيّة سواء على مستوى الدّراما الفنيّة أم الكتابة الأدبيّة إذ أصبحت التّفاهة نظاماً ممنهجاً يحكمنا من كلّ حدب وصوب على حدّ قول الكندي “آلان دونو”.

خيمة 56

الوقاحة في الإساءة “خيمة 56″نموذجاً

ليس القصور في الرّؤية من يمنع المشاهد العاديّ متابعة هذا الفيلم حتّى النّهاية، على الرّغم من مدّته القصيرة كي ينتفض مستهجناً وشاتماً ما يتمّ التّركيز عليه، وهو موضوع (الجنس). قد يتشدّق الكثيرون ممن يدافعون عن فكرة الفيلم بأنّه يحكي عن حاجة أساسيّة لدى الإنسان اللاجئ الذي لا يستطيع أن يمارس أدنى حقوقه في الحياة في ظلّ الحرب والنّزوح تحت الخيم، ولكن عندما تصوّر هذه الحاجة على أنّها غريزة حيوانيّة تلهث النّساء المتزوّجات إلى تحقيقها، من ثمّ عرضها وفق سياق سخيف وهزيل ومبتور عن أسبابه وظروفه ووقائعه وموظّف ضمن قوالب بائدة ومدعومة بالألفاظ النّابية على لسان إحدى اللّهجات السّوريّة فهذا مرفوض بالإطلاق!

ألا يكفينا ما عشناه في بلادنا من دمار وتفرقة وعنصريّة وبؤس حتّى يأتي ممثلون وكاتبة ومخرج من هذا المجتمع ليقدّموا لنا مشاهد دراميّة سينمائيّة منحدرة لا تقدّم أيّة فائدة معرفيّة أو فنيّة، بل كلّ ما تسعى إليه هو تكريس القبح بأعلى مستوياته ولصالح أطراف حاقدة على القيم الإنسانيّة التي تمتلكها ثقافات هذه البلاد.

صفاء سلطان ونوار يوسف من فيلم الخيمة 56

انفصام من نوع مغاير

عندما يُكتب نصّ فنّيّ ويتمّ إنتاجه لاحقاً يأتي المتنطعون المدافعون عن العمل لإلقاء المواعظ الغريبة والعجيبة على المنصّات والمنابر بأنّ المُشاهِد إنسان بسيط لا يمتلك ثقافة انفتاحيّة، ورؤيا عصريّة على الآخر الغربي، وكأنّ المشاهد لا يملك حواساً وعقلاً يفكّر به كي يعرف بفطرته المبالغة في عرض الوقائع المشوّهة.

قد يسأل أحد المدافعين عن مثل هذه الأعمال: أليس مهمّة الفنّ تصوير نكبات الحياة عند الشّعوب؟ أقول نعم هذه هي الوظيفة السّامية للفنّ، ولكن عندما يصبح الفنّ منبراً لزيادة جرعة الإثارة الحسيّة التي تسيء لمكانة الإنسان وتعرض الأحداث من غير البحث عن الأسباب والحلول فتلك كارثة الكوارث! إنّ الدّراما الحقيقيّة هي التي تحرّض المشاهد على التّفكير، ولا تجعل عقله مرتبطاً بالغرائز، كما أنّ الدّراما الحقيقيّة هي التي لا تسيء  إلى ثقافة أو لغة أو فئة اجتماعيّة بعينها ولا تقبّح صورتهم، وكأنّهم الرّاعي الأوّل والممثّل  الرّئيس لأشكال التّدنّي والتّخلّف في المجتمع!

ريتنغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى