أحدث المقالاتمواهب واعدة

السّياحة مع صلاة تشرنوبل .. كي تشعروا أنّكم مشاركون في التّاريخ

مرح الحصني

السّياحة مع صلاة تشرنوبل

بثلاثة فصولٍ “أرض الموتى، إكليل الإبداع، الإعجاب بالحزن”؛ المقسّمة إلى عددٍ من المونولوجات، تبدأ بمونولوج “لماذا يتذكّر النّاس”؟ وتنتهي عند “صوت إنسان وحيد”، تُترجم الحائزة على جائزة “نوبل” للآداب في العام ٢٠١٥ “سفيتلانا ألكسييفيتش” مشاعرها إلى كلماتٍ عبر رواية “صلاة تشرنوبل”، حيث تنطلق أوّلاً بجملة: “نحن هواء، نحن لسنا أرضاً”، وبعد مقدّمة تاريخيّة مهمّة، تبيّن لنا كيف أنّه في ليلة السّادس والعشرين من أبريل/نيسان من سنة ١٩٨٦، وقع حادث بمفاعل “تشرنوبل”، وظلّ أقبح حادثٍ نوويٍّ في التّاريخ، وغطّت آثاره المدمّرة ثلاثة أرباع أوروبا، حيث كان ما يقرب من مائتي موظّف يعملون في مفاعل الطّاقة النّوويّ بأوكرانيا، لقي 36 منهم مصرعهم، وأصيب أكثر من 2000 شخص.

“صلاة تشرنوبل”، كان الكتاب الأوّل الذي نقل أصوات من وقعت عليهم المأساة في صمت، حيث قامت الكاتبة والصّحفيّة البيلاروسيّة “سفيتلانا أليكسفيتش” بإجراء مقابلاتٍ مع 500 ناجٍ وناجية من الانهيار، ورجال الإطفاء، ومن تمّ تكليفهم بدفن وجه الأرض الملوّث، وإطلاق النّار على كلّ الحيوانات في المنطقة، وقصصهم التي كشفت عن الخوف والغضب واللايقين المستمر معهم، على الرّغم من تنظيف آثار الكارثة جيّداً، لكنّها الآثار التي لا تُمحى من نفوس البشر.

نقلت “سفيتلانا” أصوات الضّحايا داخل روايتها في شكل مونولوج بصدقٍ وعاطفة لا تسعها اللّغة، جسّدت التّغيرات النّفسيّة التي أحدثتها الكارثة، والتّحولات الجينية التي تركت أثراً كبيراً لدى السّكّان هناك، ولكلّ السّاعين في البقاء، ولكن بدلاً من المضي قدماً قرّرت “سفيتلانا” الرّجوع للكارثة، ووصفتها بأنّها أسوأ بكثير من معسكرات الاعتقال ومصارعة المجهول، حيثُ ذكرت:

“ساعة الانفجار، حلّ مكان الذّعر المتوقّع حالة من الدّهشة، فقد كسا الأفق سحر خاصّ، ولم يعلم أحد حينها أنّه السّحر الذي يصحب النّهايات، تتحدّث “ناديجدا فيجوفسكايا”، إحدى النّازحات من مدينة “بريبيات” الواقعة غير بعيد عن المُفاعل عن ساعة الانفجار، وتقول: “لم يزل كلّ ما حدث ماثلاً حتى هذه اللحظة أمام عيني، وهجٌ شديدٌ قرمزيّ اللّون، سطع المفاعل بضوء بدا كأنه خرج من داخله، لون غريب، كان حريقاً استثنائيّاً، لهيباً، بدا جميلاً ولو تجنبنا التّفكير في كارثيّة الحدث، فإن المشهد بدا رائعاً، لم أرَ مثيلاً له حتى على شاشات السّينما، لا وجه للمقارنة، احتشد الجميع في شرفات المنازل، سيطر الفضول على الجميع، قطع العديد من النّاس عشرات الكيلومترات في السّيارات لكي يشاهدوا ما جرى، لم نكن نعلم أن الموت قد يكون جميلا هكذا”. 

يجد القارئ على الغلاف الخلفي للكتاب ما هو مؤثّرٌ أكثر من محتوى المتن، وخاصّة عندما يقرأ: “مكتب سياحي في “كييف” يدعو إلى رحلات سياحيّة إلى “تشرنوبل”…

خط سير الرّحلة، سيبدأ من مدينة “بريبيات” الميّتة: سيشاهد السّياح البيوت المهجورة متعدّدة الطّوابق مع الثّياب البيضاء المسوّدة على شرفات البيوت، عربات الأطفال، الشّرطة القديمة، المستشفى، مبنى لجنة المدينة الحزبية، بقيت هناك شعارات الزّمن الشّيوعي – لم تتأثّر بالإشعاعات.

يستمر خط السير من مدينة “بريبيات” إلى القرى الميّتة، حيث تتجوّل في وضح النّهار الذئاب والخنازير البريّة.

جو الرّحلة، أو كما يكتبون في الدّعاية، متعتها، في مشاهدة المخبأ أو بصيغة أسهل -التّابوت، المبنى فوق المبنى الرّابع، والذي بسبب السّرعة في التّنفيذ، تغطيه منذ زمن الشّقوق، تخرج من خلالها حشوة قاتلة – بقايا الوقود النّووي، سيكون هناك ما ستحدثون أصدقائكم عنه، عندما تعودون إلى البيت، إنّها ليست جزر الكناري تزورنها أو ميامي، تختتم الرّحلة بالتّصوير للذّكرى عند شواهد الأبطال الذين استشهدوا في “تشرنوبل”، كي تشعروا أنّكم مشاركون في التّاريخ.

قالت الكاتبة في أحد حواراتها: 

“أشعر بسعادة بالغة في صدور التّرجمة العربيّة لكتابي “صلاة تشرنوبل”، ذلك لأنّ قضيّة “تشرنوبل” قضيّة العالم أجمع.

السّياحة مع صلاة تشرنوبل

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى