أحدث المقالاتإقرأمواهب واعدة

السّم الخفيّ في “نوميديا”…

د. فاطمة شيخو أحمد

وسط السّباق الثّقافي تجاه الرّواية التي ستحظى بجائزة “بوكر” العربيّة، والتي تُقام كلّ عام، سارعتُ كغيري من الأكاديميين، والمهتمين بعالم الفنّ والأدب إلى قراءة عددٍ لا بأس به من الرّوايات التي رُشّحت للفوز بهذه الجائزة.

ومن بين الرّوايات التي قرأتها “نوميديا” للرّوائي المغربي طارق بكاري، التي تحكي حياة “مراد” الرّجل الأمازيغي اللّقيط، والذي عانى التّهميش والإقصاء من قبل مجتمع قريته “إغرام” المغربيّة، فيتمّ طرده من القرية ليعيش في المدينة حالة تأزّم، وضياع، وانكسار بين ذكريات الماضي، وشقاء الحاضر، والذي يظهر في تعدّد علاقاته مع المرأة، تلك المرأة التي تكون حاضرة بقوّة في النّص الرّوائي عبر جسدها.

إنه الجسد الذي يجمع بين الشّخصيّات النّسويّة داخل المتن السّردي من خلال لغة أنثويّة مختلة، فجوليا، وخولة، ونضال، ونوميديا …. كلّهنّ جسد من رؤية “مراد” الشّخصيّة الرّئيسة في الرّواية.

ثمّة أمران مهمّان يتركّز عليهما المتن السّردي في رواية “نوميديا” هما:

  • الآخر: وهو المستعمر الذي يشكّل طيفه حالة من الخوف والخطر، ولا يظهر إلا في نهاية السّرد عبر الشّخصيّة الفرنسيّة “جوليا”.

     – المرأة التي تكون حاضرة بجسدها.

رواية نوميديا للروائي المغربي طارق بكاري

استوقفتني عبارات من مثل: “أمّا الجسد … يا للعنة الجسد!”، “تطوّق خصرها العاري بيديها كعارضات الأزياء، وتقترب شيئاً فشيئاً وعطشي إليها يقفز …”، “وشهيقها يعلو وينكسر ليستحيل إلى زفراتٍ متقطعة، ثمّ وأنا أتابع تأوّهاتها بلذّة، مددت يدي إلى مواطن ضعفها.”، “حين الّتحم جسدانا كانت يداها تشتبك بالنّدوب الرّاسية على ظهري وتئن، وتتأوّه، وتصرخ بكلّ ما فيها من جنسٍ وشهوةٍ، وتستزيدني بلهفة كأن عطش سنين يسكن هذه المرأة الفتنة!”.

إنها عباراتٍ مخيّبة جدّاً! فلو توغّلنا في النّسق الثّقافي المُضمر لهذه السّياقات وغيرها سنجد الخطاب الذّكوري الذّاتي الذي يتوجّه به إلى نفسه المضطربة أكثر من مخاطبة الآخر.

إذّ ثمّة علاقة ثقافيّة مضطربة بين الرّجل والمرأة داخل المتن السّردي، فصارت المرأة في هذه الرّواية موضوعاً للمتّعة والنّشوة.

ولا يُخفى على المتلقي التّغييب المتعمّد للصّورة الحقيقيّة للمرأة في رواية “نوميديا”، فثمّة نماذج نسوّيّة كثيرة في حياتنا: الأمّ المكافحة، المثقفة الواعية، الزّوجة النّبيلة … لا نجد أثرها في هذه الرّواية.

 لا أنكر دور الجسد في تكوين صورة المرأة، لكن من الخطأ الفادح اختزال المرأة في جسدٍ فحسب، ومن ثمّ استبعاد الأبعاد العميقة لنفسيّة المرأة، وأحاسيسها، ومشاعرها، وطريقة تفكيرها، وكلّ ما يتعلّق بعالمها!!

لم أعثر على الجمال في طلّ الإغراق التّام في عالم الجسد، وأتساءل ما السّبب الذي يدفع كتّابنا ليظلّوا منغمسين في درك الجسد. لماذا يُصرّ كتّابنا على تحويل الجماليّات إلى اللا جماليّات في نصوصهم ليصبح اختراق المحظور الشّغل الشّاغل للرّوائيين الذين يريدون تثبيت مكانٍ لهم في الصّف الأوّل في السّاحة الثّقافيّة – الأدبيّة؟! باعتقادي لا شيء يشفع للتّدهور القيمي، والانحدار الأخلاقي!! ألا يعلم أكثريّة كتّابنا العرب الأعزاء أن مواضيع مثل “التّحرّش الجنسي، أو العلاقة غير الشّرعيّة بين الرّجل والمرأة، أو اختراق “تابو” الجسد …” باتت مكرّرة، ومشوّهة، ولم تعد تهمّنا.

طارق بكاري روائي مغربي

إن الرّوايات الخالدة عبر التّاريخ هنّ اللاتي حملن رسائل نبيلة مرتكزة على وعي واضح بمفهوم الاختلاف الذي لا يعتمد انتهاك المحرّم “التابو” لجذب المتلقي، بل يعتمد على الكتابة ذاتها، وليس على العناصر المثيرة في البنية الثّقافيّة – الاجتماعيّة، ولا على إغراءات المرأة التي اعتاد عليها المتلقي الذي يتهيأ نفسيّاً لاستقبالها عند الشّروع في قراءة النّص.

بوصفي قارئة شابّة تعيش في عالمٍ يستنزف قواه بالحروب والصّراعات والأوبئة، أبحث في سطور الرّواية عن الحكمة، والسّكينة، تلك التي تأخذني للاستلقاء على شاطئ السّلام وتأمّل الجميل، وربّما التّوغّل في جماليّات القبح، لكن بعيداً عن ثّقافة الاختراق، وتعدّي المحظورات سواء أكانت اجتماعيّة أو سياسيّة أو دينيّة.

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
1 تعليق
الأحدث
الأقدم الأكثر تصويت
Inline Feedbacks
عرض كل التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى