أهم المقالاتإقرأالأكثر قراءةًبقلم رئيس التحرير

ألقي السّلام على الرّجل الحقيقي

بتصرّف رئيس التحرير: عامر فؤاد عامر

“المعرفة أوسع من المنهج العلمي” استوقفتني هذه العبارة كثيراً بعد أن قرأتها في كتاب “القدر بوصفه فرصة” للباحث الألماني “ثورفالد د.تلفزن”، الذي ترجمه إلى اللغة العربيّة الدّكتور إلياس حاجوج، وشرحها في ذلك الكتاب مليّاً، حيث وضّح بأن من مهام البشر الأساسيّة إدراك كلّ ما يدور حولها، وأن تتعلّم علماً شاملاً، وتختبر الحقائق بقلبها لا بعقلها وحسب، فالمسافات التي تُظهرها لنا الخرائط تختلف تماماً عن المسافات التي نقطعها ونحن نسافر على طرقاتها… وإليكم هذه الحادثة التي توضح معنى الكلام:

تفاجأتُ أن امتحان مادّة العلاقات العامّة الذي أعده الدّكتور ما هو إلا سؤال واحد فقط، لكنه سؤال ذكي جداً، وعليه درجة عالية، وكان السؤال كالآتي:

–  ما الاسم الأوّل لعامل النظافة الذي يعمل في القسم الذي تدرس في كليّتك الجامعيّة؟

صعقني السّؤال، وقد دخلت قاعة الامتحان وكلّي ثقة، خاصّة بعد أن درستُ أيّاماً طويلة، وحفظت نظرياتٍ في العلاقات العامّة، ومن كتب مختلفة لأكون جاهزاً للإجابة على عشرة أسئلة، وفي أصعب النظريّات، ولكن كلّ ذلك لم يشفعْ لي من أجل الإجابة على اسم عامل النّظافة.

صرتُ أنظر لورقة الإجابة البيضاء، تماماً كعقلي في تلك اللّحظة، ومستحضراً ابتسامة عامل النّظافة الطيّب الذي كان يمرُّ بجوارنا عشرات المرّات يوميّاً من دون أن أٌكلّف نفسي عناء الحديث معه أو سؤاله عن اسمه.

النتيجة النّهائيّة أنه لم يُجِبْ على السّؤال سوى طالب واحد من أصل ستة عشر طالباً، فقد كَشَفَنا الدّكتور أمام أنفسنا، وأراد أن يعلّمنا درساً مهمّاً وبارعاً.

علّمنا ألا نهتم بالنظريات فقط، وعلّمنا أن الشّخص النّاجح هو الذي يبادر بتعامله الطيّب مع الآخرين، فيكسر حاجز الغرور والخجل، بل علّمنا الدّرس الأهمّ ألا وهو أن بعض مفاتيح نجاحنا تكون بيد موظفين بسطاء لا نُلقي لهم بالاً، ولا نُلقي عليهم حتى تحيّة الصّباح!

سلّمتُ ورقة الامتحان خالية، وتوجّهتُ مسرعاً، ومبتسماً لعامل النّظافة الذي بادلني الابتسامة، وسألته ما اسمك فأجابني، لكن بالطبع كانت المعلومة متأخرة.

السلام
ألقي السلام على الرجل الحقيقي

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى