ماذا لو أنني ولدت في الزمن الخاطئ؟

كنتُ صغيرة، أُعاني من مشاكل تبدو بسيطة لي الآن؛ لكنّها كانت هائلة في حينها، ولم أفهم لها سبباً.
كنتُ أقول في نفسي، بصوت المراهق وتفكير الطّفل: “إنّ حياتي عبارة عن سلسلة من العقوبات على أشياء لا علاقة لي بها …”.
لم أحبّ يوماً المدارس والجامعات وكلّ ما هو صارم ومحدود. لم أشعر فيها أنّني في المكان المناسب،
ولم أشعر نحوها بأيّ نوعٍ من الانتماء، وكنت أستهجن عندما أسمع الكثير من أصدقائي يقولون أنّ أيّام المدرسة أو الجامعة هي أجمل أيّام حياتهم.

لا أعتقد أن يكون شيء بهذه البساطة والسّهولة والرّوتين هو أجمل أيّام حياة أيّ إنسان، فما أحبّه حقّاً، جلسات تناول الشّاي الطّويلة، فكرة العزف على البيانو، ساعات من القراءة غير المنتهية، البوح للورق على ضوء الشّمعة، الكتابة بالسّرّ؛ وبأسماء مستعارة، الفساتين ذات الطّبقات المبالغ فيها، مع المشدّات التي تحدّد مقاس المعدة قبل الخصر، مساحيق التّجميل الطّبيعيّة البدائيّة، وتسريحات الشّعر غير المفهومة، عصا استقامة الظّهْر، تمارين السّير بالكعب العالي خلال حَمْل حِمْلٍ هائلٍ من الكتب على الرّأس، والتّحدّي يكمن في عدم اختلال التّوازن وسقوط أحدها.
أحبّ كتابة الرّسائل الطّويلة، المحمّلة بكثافة من المشاعر والأحلام … ومتعة انتظار المجهول في وصول البريد واستلامه، وإمكانيّة الرّدّ عليه، مع أدقّ تفاصيل المدّة الفاصلة بين العمليّتين.

أحبّ ركوب العربة، والقطار البخاري الذي يقطع الودّيان والجبال في رحلاتٍ تدوم أيّاماً وأسابيع، وكذلك النّزهات في البساتين الواسعة. أيضاً الحفلات المنزليّة، ورقص الصّالونات، وركوب الخيل، والتّطريز على القماش، وحياكة الصّوف كهواياتٍ لطيفة، أو مجرّد فعلٍ يمنح الاسترخاء وهدوء البال.
قد تكون مشكلتي بفارق المكان أيضاً ليس فقط بفارق الزّمان، إذ لطالما شعرت أنّني خارج مكوّنات مجتمعي، خارج زماني ومكاني، كانت أفكاري تأخذني أبعد من اللّحظة الآنيّة، كما لو أنّني كنت إحدى الشّخصيّات في رواية لـ”جين أوستن”، وما زلتُ أحيا على الأطلال …
لكنّ الحقّ يُقال، ولا يتغيّر الجمال بتغيُّر الزّمان، وكلّ ما هو جميل باقٍ على جماله، وكلّ ما هو ساحر سيبقى ساحراً … معضلة حياتيّة لا حلّ لها، سوى الهروب إلى أحضان الأفلام والرّوايات، التي تسرقني من الواقع، وتغذّي خيالي … فأنا لستُ من هذا الواقع، بل لي في الخيال حياة.
