مساحة وعي (7) … “للذكر مثل حظ الأنثيين”: كيف؟
د. مأمون علواني في حوار خاص مع د. فاطمة أحمد

حوار حول المفكّر فيه والمسكوت عنه مع د. مأمون علواني – الرّئيس التّنفيذي لشركة “ريتينغ برودكشن”.
– كثيراً ما يتبادر إلى الأذهان، ولاسيّما في وقتنا الرّاهن، سؤالٌ حول حقّ المرأة في الميراث، وذلك في ظلّ النّداء الدّائم إلى ضرورة المساواة بين المرأة والرّجل، ألا تعتبر د. مأمون هذا التقسيم فيه ظلم للمرأة وانتقاص من حقّها؟
في الحقيقة قد شغل هذا الموضوع ذهني كثيراً، ولاسيّما أنّي أبٌ لثلاث فتيات، وقد بحثتُ يميناً ويساراً وشمالاً وجنوباً، كما سألتُ حول الفقه الإسلامي والخطاب الدّيني، وسألتُ أيضاً المعاصرين، وقرأتُ الآيات القرآنيّة ألف مرّة.
للأسف الشّديد قد أفهمنا رجال الدّين أشياء لا علاقة لها بالقرآن الكريم أبداً من حيث المساواة الفظيعة بين الذّكر والأنثى1
طبعاً نحن نتكلّم هنا على منطقة كانت تقوم بوأد الفتاة، ومع مجيء القرآن تحرّرت المرأة من كلّ أشكال الضّغوطات، وأصبحت تدير وتقود.
الآن فيما يتعلّق بالإرث، ومفهوم الميراث، أقول هنا: بأنّه للأسف الشّديد قد قام الخطاب الدّيني المتوارث بإفهامنا أشياء خاطئة. هل تعلمين؟ نحن بحاجة إلى “فرمتة” جماعيّة! وخاصّةً للأشخاص الذين يتكلّمون في الدّين، ويتعصّبون لآرائهم، وكأنّ الدّين محصورٌ بهم ومغلقٌ عليهم، فهم الذين يتحدّثون فيه، وهم الذين يقرّرون الصّواب والخطأ، وهم الذين يحدّدون ما الذي يجب أن يُقال. فتجدين كيف أنّ الكلّ محكومٌ بخطابٍ دينيٍّ متوارثٍ من حوالي ١٣٠٠سنة، وهذا الخطاب متعلّقٌ بأحاديث لا علاقة لها بالقرآن الكريم، ولا بديننا الإسلامي، بل هو مرتبطٌ بتنفيذ مآرب الحكّام والسّلاطين آنذاك.

– كيف تعلّل إذاً موقف الخطاب الدّيني من تفسير قوله تعالى في الآية ١١ من سورة النّساء: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}؟
قبل الوقوف عند معنى الوصاية والإرث في هذه الآية سأعود بكِ إلى قوله تعالى في سورة البقرة: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (183)، ونلاحظ هنا أنّ الصّيام يشمل المؤمنين كلّهم، وهو أمرٌ لا خلاف فيه من خلال كلمة “كُتِبَ” ، فالصّيام في رمضان فرض علينا، لذلك تجديننا نصوم ونحتفل بتقديسنا للصّيام، في حين تجدين في الآية (180) من سورة البقرة أيضاً قوله تعالى: ” كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ”، الأمر هنا لا يشمل المؤمنين فقط، بل البشريّة جمعاء، إذّ لم يبدأ جلّ جلاله بقوله: “يا أيّها الذين آمنوا”، هذا يعني أنّه مثلما فُرض علينا الصيّام فأيضاً مكتوبٌ علينا الوصيّة، إلّا أنّ المفسّرون لم يهتمّوا بهذا الأمر، ولم يعترفوا بهذا الكلام، وإنّما نسخوها، والنّاسخ والمنسوخ لا اعتبار له، ولا وجود له عندنا، لأنّ اللَّه يقول: “مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍۢ مِّنْهَآ أَوْ مِثْلِهَآ ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ” (106) البقرة.
والمقصود بكلمة “ننسخ”، أيّ الآيات التي نزلت قبلها على الأمم السّابقة في التّوراة والإنجيل، فالآيات هنّ البراهين والأدلّة والقوانين التي جاءت على البشر السّابقين، وعندما جاء سيّدنا محمّد أعطاه اللَّه أشياءً جديدة، فيقول تعالى: لا ننسخ بل نبدّلها أو نأتي بأفضل منها، وليس المقصود به كلام اللَّه، وإنّما آيات الأمم السّابقة، كلام اللَّه مقدّس، وكلّ حرف وتشكيل جاء في مكانه الصّحيح الذي لا يشوبه أي خلل، لأنّ التّحديث جاء من عنده في السّماء، وهو مكتوبٌ عنده في الذّاكرة الإلهيّة، ولم يُخلق فجأة.
يقول الله تعالى: “كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ”، ويأتي المفسّرون في الدّين ويقولون لنا: لا وصيّة في الدّين استناداً إلى الحديث النبوي “لا وصيّة لوارث”، وهذا الحديث لا أعتقد بوجوده، لأنّ الرّسول صلّى اللَّه وعليه وسلّم يستحيل أن ينطق بمثل هذا الكلام المخالف لكتاب الله عزّ وجلّ ومنافٍ لآياته.

هناك حوالي ثمان آيات يذكر فيها الوصيّة والدّين، فاللَّه تعالى يؤكد هذه الفكرة ويأمرنا بها، ومع هذا يأتي ومن يقول هذا حرام ولا يجوز. إن كان اللَّه جلّ جلاله حلّل وأمر من أنتم حتى تحرِّموا ما قاله اللَّه؟!
وفي حال مات المرء ولم يوصِ، فاللَّه يتوكّل هذا الأمر فيقول: ” يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ…”، وهذا يعني أنّكِ إذا كنتِ تمتلكين أختاً وأخاً، فإنّ الأخ يأخذ مثلكما تماماً، وليس ضعفكما، بل مثل حظّكما، فإن كانت حصّتك مقدارها ستّ وأختك حصّتها مقادرها ستّ، فإنّ أخاكِ سيأخذ مثلكما ستّ أيضاً، وإذا كان الأبّ مثلاً لديه أكثر من بنتين، فسيكون التّقسيم ثلثين بثلث، وعندما يكون لديه أربع بنات، فسيأخذ الابن ضعف البنتين، لأنّ للبنات الثلثين وله الثّلث. وإذا كان الأبّ لديه ستّ بنات، فالصّبي الذّكر ستكون حصته تساوي حصة 3 بنات، لأنّ الثلثين للبنات والثّلث له. هذا ما يريده اللَّه ويشير إليه، فهو قانونٌ أرضي وجب تنفيذه. وإذا ما تقدّمنا في قراءة الآيات سنجد قوله: “وإن كانت واحدة فلها النّصف..” مثلها مثل الصّبي. هذا ما يوضّحه الله ويريده، من هنا أعيد وأقول لكِ مرّة أخرى: لابدّ من إعادة “فرمتة”، وليس تحديثاً، نعم “فرمتة” للعقول المتحجّرة المتخلّفة المتحكّمة بالخطاب الدّيني، فهؤلاء هم الذين ينشرون الجهل ويكرهون النّاس بالإسلام. المرأة هي عماد من أعمدة المجتمع والأسرة، ولا يُعقل أن يحرّمها اللَّه من الميراث ويمنعها عنه.