الوجه الآخر للحرب في سوريا

لم تكن المشكلة في البرد، بقدر ما هي عدم اليقين بوجود الدّفء بعده، ولا في الجوع، بقدر ما هي عدم اليقين بوجود ما يؤكل لاحقاً … ولا حتّى في الاغتراب، بقدر ما هي عدم اليقين بوجود وطنٍ للعودة إليه!
ردود فعلٍ عكسيّةٍ، ألعابٌ نفسيّةٌ، تحدّيات لا إراديّة، غير قابلة للسيّطرة، تعذّب النّفس وتلوّعها حتّى تتمكن من تغييرها وتشويهها.
يمكن تلخيص الفكرة ببعض الأمثلة على سبيل الذّكر لا الحصر. كوجود مدفأة في البيت، ويقينك بأنّها قابلة للاستعمال حين تحتاجها، يجعلك مقاوماً للبرد بل ومنيعاً تجاهه. وحين تكون في العمل أو في المدرسة، وحده يقينك بوجود وجبة لذيذة أو حتّى غير لذيذة سينسيك الشّعور بالجوع.

أيضاً في الغربة، ويقينك بأنّ الوطن في الانتظار دائماً، وعلى ذلك تبقى دوماً مسكوناً بالحنين والرّغبة بالرّجوع، هذا وحده ما يمكن أن يخفف من مرارة الغربة. أمّا العيش في اللايقين هو ما يجعل الإنسان حسّاساً، ضعيفاً، وعلى حافّة الاستسلام.
حياة اللايقين متعبة، تُدمّر المناعة، وتقتل الآمال، وفي كلّ يومٍ يكون الإثبات الأوضح متجليّاً في كلّ التّفاصيل التي عشناها ونعيشها.
لم يعد العقل فينا قادراً على التّفكير سوى بطريقةٍ واحدةٍ، وهي الصّراع من أجل البقاء، رفاهيّة الرّحمة والمشاركة أو الإيثار اندثرت قسراً، فلا أحد يكتفي بأنبوبةِ غازٍ واحدةٍ، أو “ربطة” خبزٍ مثلاً، لعدم يقينه بوجود بديل لها.
فيأخذ كلّ منّا أكثر من حاجته، على الرّغم من أنّ ذلك قد يكون فوق استطاعته، فتتفاقم الأزمات وندور في حلقةٍ مفرغةٍ، لا يوجد فيها حلٌّ حقيقيٌّ، ولا مكان للوم.
