الحبّ أعظم عكازٍ لشيخوختكم!

كم مرّةً اعتقدتَ أنّك أُصبتَ في الحبّ؟
هل تعرف كيف يُبتلى المرءُ بالحبّ أصلاً؟
هل خطرَ لك يوماً أن يكون حبّك، الذي أدعّيته، هو مجرّدُ تعبئة فراغ؟
ماذا لو كانت هذه العلاقة التي تدعوها حبّاً هي مجرّد إسكات حاجة الاهتمام المُلِحّة عليك كبشريٍّ ينقصه من يطّلعُ على أمره، ويهتمّ لحاله، ومشاعره، وشهواته، يسكّن عنه آلامه، ويفرّج عنه كرباته؟!
هذه أسئلةٌ ضروريّة يجب أن تلوحَ لك في أفق عقلك عند بداية أيّ علاقة بينك وبين الحبيب.
اعتقدتْ “ريما” أنّها تعيش حالة الحبّ، مدّعيةً أن ما شعرت به، في سنتها الأولى من الجامعة، كان حبّها الحقيقي القدري، الذي كُتب في الملكوت على اسمها، لكنها اكتشفت فيما بعد، أنّ علاقتها تلك كانت محطّة عبور زمن عاديّة، كانت دخلتها إبّان انفصال والديها عن بعضهما البعض، “ريما” حينها شعرت بالفقر العاطفي والعائلي، لم تكن ترى أحد تُعرّج عليه، تضعُ بعض آلامها وهمومها على عاتقه، أو تشرح له كيف تملي عليها هرموناتها بما تشعر، قالتها بالحرف: “كانت علاقتي الأولى، وكان ينقصني الاهتمام، وقد اعتنى بيّ ذلك الشّابّ وأحبّني، لكن فيما بعد، فترتْ العلاقة بيننا، تكشّفت لي الحقيقة، وعرفت أنّه ليس الإنسان الذي أريد، ولا العلاقة التي أتمناها، وأدركتُ أنّني لم أحبّه، بل أحببت الاهتمام الذي أعطاني إيّاه في الوقت الذي افتقدته من أسرتي”.
يشير الفيلسوف الألماني “إريك فروم” في كتابه “فنّ الحبّ” أنّ ماهيّة الحبّ تكمنُ في الرّغبة للاندماج مع شخصٍ آخر، وهي من أكثر العلاقات التي يتوقُ الإنسان لها، حيث إنّها من أشدّ العواطف جوهريّة، وهي القوّة التي من شأنها المحافظة على تماسك الجنس البشريّ بما يحتويه من أسرةٍ وقبيلة ومجتمع”، لا عجب أنّ خطر الأذى النّفسي الأكبر سيدقُ بابك لمجرّد رغبتك في الدّخول بعلاقةٍ، تسبب لنفسك ولشريكك الأذى والمشاكل، لو خضتَ هذه العلاقة لمجرّد أنّك تريد علاقةً بغض النّظر عن التّكوين الخُلقي والنّفسي للشّخص الذي اخترتَ أن تدخل في علاقةٍ معه.

هناك من يرى أن الحبّ مرتبط بالعلاقة الجنسيّة كـ”فرويد”، الذي عدّ الحبّ أحد مظاهر الغرائز الجنسيّة الفطريّة، إلا أن كثير من الثّقافات عبر التّاريخ فصلت الحبّ عن الشّهوة، معتبرةً أنّ الحبّ يجب أن لا تشوبه أيّ رغبة ماديّة أو نزواتٍ شهوانيّة، فالذي ينسجم مع زوجه بممارسة الجنس هو حتماً يجيد الأداء الجنسي، لكن ليس بالضّرورة أن يكون محبّاً الحبّ الرّوحي الذي حار في وصفه الفلاسفة والعلماء.
يقول علي بن أبي طالب: “من أحبّ الجسد أيتمته التّجاعيد، ومن عشقَ الرّوح سُمي بالملكوت حبيباً”. إذاً يتعّين عليك دائماً أن تقيس علاقتك مع الشّريك بعدّة موازين حتى تتأكد من إثبات هويّة الحبّ بينكما، لو كنت تفضّله لمجرّد أنّه جيّد في العلاقة الجنسيّة، أو لأنّه جميل، أو ربّما لأنّه موجود بالوقت الذي أردت فيه الدّخول بعلاقة، ولا بديل له، فحتماً أنت تحبّ الجنس معه، أو يعجبك اهتمامه بك، أنت لم تحبّه أبداً؛ لأنّ القدرة الجنسيّة ستزول، والاهتمام سيخمد مع الأيّام.
سيبقى الحبّ الذي يجعلك تعشق شعرها الفضّي المجعّد، وهي في عمر السّبعين، الحبّ الذي يجعلكِ تهنئين بضحكته، حتّى لو أنهكه العمر، ولم يبقَ في فمه إلا سنّاً واحداً، ولن تعتمدوا في شيخوختكما على عكازاتٍ، سيكون الحبّ أعظم العكازات.
