أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأمواهب واعدة

التّنمّر قضيّة مجتمع ينتج عنها آثار كارثيّة

دينا عساف

– انظري إلى تلك الفتاة كم تبدو قصيرة وبدينة، لماذا لا تتبع ريجيم أو تقوم بعملية تنحيف؟!

– أنتِ ساذجة لدرجة أن الكلّ يستهزىء بكِ!

– لماذا أنت سمراء اللون وأختك ذات بشرة بيضاء؟! هي أجمل منك بكثير!

– تبدين أكبر سنّاً بهذه الملابس الفضفاضة والدّاكنة، من الأفضل أن تواكبي الموضة وتهتمي بمظهرك أكثر!

والكثير من هذه العبارات الجارحة التي نسمعها دائماً، وتؤثّر علينا بطريقة أو بأخرى، وفي بعض الأحيان نكون غير ملاحظين لهذه العيوب أو لم تكن تأخد حيّزاً من اهتمامنا، بل نعتبرها أمراً عاديّاً لأنّه لا يوجد إنسان كامل بالمطلق، ولكن عندما نسمعها من الآخرين، تنزرع هذه الكلمات بداخلنا فتلفت انتباهنا وتكبر في عيوننا، وبذلك تحبطنا وتضعف ثقتنا بأنفسنا، فكلّ شخص يتأثّر بكلام النّاس وخصوصاً الأطفال حتّى عندما يكبرون يظلّوا متأثّرين بما عانوه في طفولتهم من تنمّر، ويبقى لديهم شيء يكرهونه في أنفسهم ولا يتقبلون ذواتهم، ويحاولون أن يتهرّبوا من ماضيهم، وقد يؤدّي بهم المطاف أخيراً إلى الانتحار، لذلك دعونا ننتبه إلى كلّ كلمة ونقيسها على أنفسنا قبل أن نتفوّه بها  للنّاس، فإذا كان الكلام جارحاً وليس له فائدة لماذا نتكلم به؟!

الكلمة سيف ذو حدين، حتّى وإن كانت صغيرة فمن الممكن أن يكون لها أثر كبير.

التّنمّر قضيّة مجتمع ينتج عنها آثار كارثيّة

وهذه قصّة حزينة سمعتها صدفةً عن فتاة عانت من التّنمّر في طفولتها، تقول:

“أنا وصغيرة كنت بشعة جداً ولون بشرتي سمراء داكنة، وكثيراً ما واجهت كلام النّاس من حولي وحتّى من عائلتي فكانوا يسمعونني بعض الإهانات، ويشعرونني بأنّي الأقلّ جمالاً، ويميّزون أخوتي عنّي في كلّ شيء، وكلّما كبرت كان التّنمّر يزداد من المقربين ومن أصدقائي في المدّرسة والجامعة، والعجيب في الأمر أن هذه الانتقادات كانت من الكبار في السّنّ أكثر من غيرهم، في تلك الفترة أصبحت فتاةً انطوائيّة، لا أحبّ تجمّعات العائلة ولا أحبّ أن أخالط الغرباء، أو أبدي رأيي لأنّي كنت أشعر بالخجل من شكلي، كما أن ثقتي اهتزّت، لكن في تلك الفترة بالتّحديد عزّزت صداقتي مع من يتقبّلونني على ما أنا عليه، أيضاً أصبحتُ مطلعةً أكثر، وبدأتُ قراءة كتب تطوير الذّات، ومن دون مجاملة ساعدتني لأرى الحياة من جانب آخر، إلى أن كبرت فقمت ببعض عمليّات التّجميل ولا أنكر أنّها زادت ثقتي بنفسي، لكن لا زالت تلك الكلمات المؤذية تؤثّر عليّ على الرّغم من مضي كثير من الوقت عليها، ولاحقاً لم أعاني من التّنمّر كثيراً، لأنّه لم أدع أحداً يقول لي كلام سيء، أو أن يحاول إيذائي إلا وأوقفته عند حدّه، وفرضت عليه احترامي.

والآن أنظر إلى طفلتي الصّغيرة بعين الخوف، ولكن أعلّمها بأن تكون قويّة، واثقة من نفسها، ولا تسمح لأحد أن يتعرّض لها، حيث أخبرها أن المتنمّر يتجه إلى الطّفل الضّعيف الذي لا يمتلك شخصيّة، ويجب ألّا يُردّ عليه بعدائيّة، ففي أغلب الأحيان حين يتمّ تجاهل المتنمّر فإنه يملّ ويتوقّف لأنّ الأمر لم يعد مسليّاً بالنسبة له.

التّنمّر قضيّة مجتمع ينتج عنها آثار كارثيّة

كما يجب تعليم الطّفل احترام الآخرين وطباعهم ومظهرهم وطريقة لباسهم وعملهم، وزرع السّلوكيّات الإيجابيّة بهم كالحبّ، والتّسامح، ونبذ العنف، والسّخرية، والمعاملة على أساس الإنسانيّة في المقام الأوّل.

فالتّنمّر هو رغبة شخص مريض في إكمال نقص ما بداخله في الآخرين، يريد دائماً الإثبات لك أنّك شخص لا تستحق أن تكون محبوب، وأنّك شخص غير كافي لإرضائه، فجميعنا ينقصنا أشياء، وجميعنا خلقة الله، وهو من اختار لنا هيئاتنا، لذلك لا تصف النّاس بكلمات جارحة، وتحصر تفكيرهم في أنّه دائماً ينقصهم شيء، بل أنت من ينقصك الرّحمة في قلبك.

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى