التّكنولوجيا لا تؤذي … الإنسان هو من يؤذي نفسه والآخرين

أصبحت شابكة الإنترنت اليوم، سمة من سمات عصرنا الحالي، بإيجابيّاتها وسلبيّاتها.
بالنسبة إلى الإيجابيّات؛ نجدها في سهولة الوصول إلى المعلومة التي نبحث عنها، على تنوّع واختلاف المعلومات، أمّا السّلبيّات؛ وهي ما سنسلّط الضّوء عليها من خلال بعص الصّور الواقعيّة.
يعيش أطفالُ وشباب بلدان العالم العربي اليوم حالة من الضّياع، والانفصال عن الواقع، ويُعدُّ سبب استخدامهم للإنترنت بشكلٍ عشوائيٍّ ومفرط من أهمّ الأسباب في ذلك.
كثيراً ما نصادف شباباً تنحسر أفكارهم باللعب، وتقليد شخصيّاتٍ شهيرة، يردّدون الألفاظ النّابية النّاتجة عن تأثرهم بالمسلسلات الدّراميّة المعروضة على أهمّ الشّاشات، وآخر أبعد أحلامهم أن يقدّموا محتوىً لألعاب عبر قناة في موقع “يوتيوب”، لتحقيق بعض الأرباح من دون تعب، ولا مشكلة لديهم في التّهرب من الدّراسة، أو حتّى التّخلي عن التّحصيل العلمي!

تنكشف لنا في الجانب الآخر أحلام الفتيات القاصرات، وطموحهنّ أن يصبحن شهيراتٍ على موقع “تيك توك”، أو نشرٍ مستهلك للصّور الشّخصيّة على “فيسبوك” و”إنستغرام”، واستخدام “فلاتر” تجميليّة لا تشبههن، مع استعراضٍ للملابس والزّينة والألوان لحصد أكبر عدد من المتابعين فقط.
أمّا الشّبّان البالغون الرّاشدون، فتراهم يجتمعون في مقهىً، منعزلين عن الواقع تماماً، وفي يد كلّ واحدٍ منهم هاتفه المحمول، يجول في صفحات الشّابكة، من دون هدفٍ محدّد، أو يحاول احتراف ألعاب الفيديو الشّهيرة، كلعبة “بوب جي” مثلاً، وذلك حالهم أيضاً في اللّقاءات العائليّة.
نجد أيضاً من يراقب ويترصّد حسابات الشّخصيّات المشهورة على مواقع التّواصل الاجتماعي، لكي يقلّد أطباعهم، وأحوالهم، كتصوير اليوميّات، ووجبات الطّعام، وملاحقة الموضة في الأزياء، والمكياج، والكثير من الأشياء، التي قد تسبب لهم حالة من الضّياع، والتّجرّد عن شخصيّته الطّبيعيّة، بسبب تقليده تلك الشّخصيّات، التي كثيراً ما تختلف في نمط حياتها، وبيئتها، عن المُترصّد المُقلّد المسكين.
كما أن هناك حالاتٍ من العلاقات الافتراضيّة تبدأ بالتّعارف، ثمّ تتطوّر، وتصبح علاقة حبٍّ، وقد تصل إلى الارتباط الرّسمي، وغالباً ما تنتهي بالفشل بعد مدّةٍ ليست بالطويلة، وتكثر البرامج التي تعرض قصصاً مفبركة، تزيّن تلك العلاقات، وتعدّها عصريّة وناجحة.

تلك كانت لمحة بسيطة عن حالاتٍ واقعيّةٍ نشاهدها بكثرة في مجتمعنا العربي، وهي جزء من معضلة عالميّة كبيرة، تضاف إلى قائمة الأمراض النّفسيّة الخطيرة، التي تجتاح معظم الشّرائح العمريّة، والاجتماعيّة.
تجري منذ سنوات دراساتٍ حول “اضطراب إدمان الإنترنت”، واليوم نقف عاجزين أمام تلك النماذج المذكورة، لا نستطيع ضبط وتنظيم حياتهم، وهذا ما يهدّد مجتمعاً بأكمله.
مجتمعٌ منقطعٌ عن التّواصل الاجتماعي الواقعي المباشر، يعاني من مشاكل في أماكن العمل، أو البيوت، مهملٌ لواجباته المدّرسيّة، فاقد السّيطرة والإرادة، وقد تكون التّداعيات أفظع على مستوى البشريّة في هذه البيئة الافتراضيّة مع تسارع التّطوّر التّكنولوجي، وتتابع الأجيال غير الموجهة، إذا لم نعِ حجم المشكلة والتوّرط المفرط الذي أقحم الإنسان نفسه به في عدم التّعامل الصحيح مع التّكنولوجيا.
