أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأالمقالات عامة

التّقمّص وحياتك السّابقة

سماح الحمادي

هل حدّث وأن عشّت من قبل؟

سؤال لربّما يضعك في صراعٍ بين فضاء الرّوح، وفلك العقل، وأرضيّة الجسد الواقعيّة.

ستظن للوهلة الأولى أنّك مصابٌ بالجنون، فالتّملّص من الواقع لعالمِ التّمعّن في الأحلام، وفلسفات تكرارها، هو أمرٌ ليس بالهيّنْ، كيف لا، وتَفكيركَ بالأمر سيدفعك إلى القّلق من ماهية التّوصّل للحقيقة حيث ستجد في هذه الظّاهرة أنّ الرّوح في ملكيّة الجسد غارقةٌ في حياة لم تنتهِ بداخلك بعد.

حيث تعودُ فكرة أرواحنا الحالمة، وأنفسنا التي بُعّثت من جسد إلى جسد إلى ما قبل ثلاثة آلاف سنة على أقلّ تقدير، فالجدل الذي كان متجذّراً عن التقمّص يعود لثقافة أسلاف سكان شمال أوروبا وصولاً لأفكار أقليّاتٍ منتشرين في أماكن متفرّقة من العالم.

قد يتبادرُ لذهنِ الإنسان تصوّرات مختلفة عن هذه الظّاهرة، ومعناها الحقيقي.

تقمّص الرّوح أو ما ندّعيه برجوع الشّخص البشري إلى الحياة في جسد إنسانٍ آخر هي عبارة عن فكرة فلسفيّة أو دينيّة تبدو في الحقيقة كأنّها أمر خيالي، لكن بعض العلماء يعتقدون بأنّها مفهومٌ علميٌ بحت.

التّقمّص وحياتك السّابقة

أولئك الذين يؤمنون بوجود حيواتٍ سابقة يرون أن هناك علامات قد تدلّ على ذلك، وهي موجودة في جوانب معقدة تؤلّف شخصيّتنا بحالاتها المتعدّدة النّفسيّة منها، والجنسيّة، والذّهنيّة، والباطنيّة، بتأليفاتها مجتمعة.

بدايةً تجد فئة من الأشخاص يؤمنون أن تشكّل الأحلام والكوابيس المتكرّرة لديهم هي بمثابة مجلّد ذكرياتٍ من حياتهم السّابقة تمرّ عليهم اليوم على هيئة مناماتٍ.

حيث يظنّون أن الكوابيس انعكاساتٍ لصدماتٍ عيشت في حياة ماضيّة، تشبّثت بها أرواحنا وتعلّقت.

منامات تتكرّر، تعبّر عن عودة جزء من ذاكرتنا المستدامة لمكانها الكائن في زمنٍ سابق.

العقل البشري في منظورهم الدّيني والمعرفي غير قادرٍ على تصوير هيئات بشريّة، وأماكن جديدة من خلقها، لكن أرواحنا قد تسبح في فلك الماضي، الذي صورهُ وأنشأه ربّ الملكوت فيما سبق، فترانا كلّما ذهبنا في رحلة نومٍ جديدة؛ نسافر في ذاكرتنا لعالمنا الذي قد عشناه من قبل.

أمّا أهمّ علامات هذه الظّاهرة بالنسبة لعلم النّفس فهي ما يطلقُ عليها بمصطلح “ديجافو”، إذّ يقول علماء النّفس أن معظمنا لا بدّ وأن اختبر إحساساً غريباً مذهلاً عن حادثة جرت أمامه لكنها قد حدثت معه قبل هذا.

التّقمّص وحياتك السّابقة

قسّم عالم النفس “آرثر فنكها وسر”، هذه الظّاهرة إلى ثلاثة أشكال:

  • “ديجا فيسو”: الحادثةُ التي قد سبق اختبارها مسبّقاً، فعندما تتعرّض لها لأوّل مرّةٍ في حياتك الجديدة، تشعر وكأنّك قد مارستها فيما سبق، كخيلٍ ركبته أوّل مرّةٍ، وشعرت أنّك لست بخائف بل مسيطر على نفسك وخيلك كشخصٍ متمرّس.
  • “ديجا سنتي”: التي تعبّر عن حادثة سبق أن أحسست بها، لكن أظهرها أمر ما مثل سماع صوت أو موسيقى أو شم رائحة، قد تجعلك تسافر من مكانك لمكان بعيد لم تكتمل صورتهُ وضوحاً في ذهنك.
  • ديجا فيزيت”: التي تنوّه لمكان مألّوف نشعر أنّنا زرناه مسبّقاً، على سبيل المثال، عندما تدخل منزلاً أو مدينة جديدة لم يسبق أنك قد زرتها من قبل، تجد بداخلك أن تفاصيل المكان مألّوفة لك، والشّارع الذي تسير فيه مألّوف، حيث تعلم أن في نهايته محطّة للقطار، ومنزل بشرفة مميّزة، ويغمرك شعور بأنّك كنت هنا من قبل لكنك فعلاً لم تكن!
التّقمّص وحياتك السّابقة

من الواقع

يذكر أنّ فتاة سوريّة، في بداية عمر المراهقة، أخبرت عائلتها عن عدم رغبتها بالنوم، لخوفها من رؤية منام تكرر وروده، حيث تقول: “كلّما أنام أرى نفسي أتعرّض للمخاض، وقبل أن أضع مولودي تسافر روحي ميّتةً، ويبقى طفلي وعائلتي قربي يبكون.

أنا في مكاني هناك أعاني من مشاعر الفقد والحسرة على من تركت، بينما أنا في مكاني الجديد هنا أعاني من تضارب المشاعر بين الخوف مما رأيت في نومي، وبين الاستهجان من تكرّر نفس المنام مرّاتٍ ومرّات.

حاولت مراراً أن أقنع نفسي أن ما أراه مجرّد منام، كما فسّرت والدتي ذلك المنام عند رجل دين عارف، فأخبرها أنها مجرّد تكهنات وتخبّطات!”.

فهل يمكن أن تكون حكايتها محض خيال أم سوء أدراك وترجمة أم أنّها حلمٌ صعب التّفسير؟! أو لربّما هو فعلاً ما حصل معها في حياةٍ سابقة؟!

تلك أسئلة تتوارد مع أيّ شخص يعيش هذه التّجربة.

لن ننسى أيضاً أنّ أشخاصاً في حياتنا يميلون إلى الثّقافة الأجنبيّة، شارحين بميولهم وحبّهم علاقة غريبة تربطهم بمكان ما لا يعرفونه، فنجدهم يلبسون أو يمثلون طريقة ما اشتهروا بها في حقبة ما سابقة.

التّقمّص وحياتك السّابقة

الأطباء ومثال من الهند

أيضاً إصابة البعض بأوجاعٌ أو آلامٌ لم يتمكن الأطباء معرفة سببها أو إيجاد تفسير طبّي لها!

سنجد الأطباء يشخصون تلك الحالات بالوسواس، والتّوهم، بينما جميع المؤمنين بمعتقد الحياة الماضية يُسيّرون مثل هكذا آلام بدلائل على تجربة من جيل سابق، إذّ أن هذه الآلام لم تنتهِ بانتهاء الجسد بل استمرت مع الرّوح، وأيضاً تُعدّ الوحمة عند المؤمنين بها دليل على تناسخ الأرواح، ففي حالة مذهلة زعم صبي هندي أنّه يتذكّر قتله بطلقٍ ناري من على مسافةٍ قريبة، بدليل وجود صف من الوحمات في مركز الصدر تشبه الإصابة بطلقات ناريّة!

التّقمّص وحياتك السّابقة

الدّين والمذاهب

أيضاً هنالك ربط ديني مذكور في القرآن الكريم، يَستدِلْ به مذهب الموحدون الدّروز على حقيقة التّقمّص كآيةٍ من “سورة البقرة”، بالإضافة لآيات أكثر، لكنّهم ما زالوا يتحفّظون بوحها للعلن، بالإضافة إلى آياتٍ إنجيليّة، منها آية في إنجيل “لوقا” التي تشير إلى أن يحيى المعمدان عليه السّلام أتى بروح إيليا النّبي، حيث مثل هذه الآيات وغيرها تشكّل تكهنات لكن التّحفظ عليها ما يزال موجود.

عند طائفتي العلويين والإسماعليّة يوجد اعتقادات حول هذه الظّاهرة، تُعرف بـ(المجايلة)، حيث يسمّون كلّ من يبدي معلومات حول حياة ما سابقة بـ(النّاطق)، ويحوطون هذه الأفكار باهتمام غير مسبوق، وبمثابة حقيقة.

إذن كلّ شيء متوقّع، فقد تكون حصيلة حياة سابقة انتهت لتبدأ من جديد، وقد تكون تكهنات تحتاج وقت حتى تُثبت أو تُنفى.

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى