التّربيّةُ الجنسيّةُ أين موقعها في حياتنا؟
د. مأمون علواني في حوار خاصّ مع د. فاطمة أحمد

-كثيرون يخلطون بين التّربية الجنسيّة والثّقافة الجنسيّة. هل بالإمكان أن توضّح لنا د. مأمون، ماهي التّربية الجنسيّة وفقاً لثقافتك ووعيك؟
نحنُ اليوم بحاجّة ماسّة إلى فهم معنى التّربية الجنسيّة التي حُرمنا منها في مرحلة الطّفولة، والتي تعني أن يتربّى الطفل/ة على فهم ما يتعلّق ويرتبط بالجنس. أين يجب أن تكون هذه التّربية؟ بكلِّ تأكيد في المدرسة والبيت. للأسف أبناء الجيل الحديث اليوم في بلادنا يطّلعون على أيّ شيء يرتبط بالجنس من مصادر خارجيّة، كوسائل التّواصل الاجتماعيّ، والشّابكة الإلكترونيّة، والأصدقاء … وهذا الأمر له تأثيرات سلبيّة على الفرد والمجتمع معاً، فالتّلقي يكون عشوائيّاً وغير مدروساً، وبالتّالي يصرف المراهقون اهتمامهم في هذه المعلومات العشوائيّة أكثر من تعلّم المواد الأساسيّة التي يأخذونها في المدرسة.
هناكَ مسألة أخرى لا يجب التّغاضي عنها أبداً، وهي إذا كانت نسبة وعيّ الأمّ والأب ضئيلة، فغالباً، سيمنعان الأبناء من الحديث في الموضوعات الجنسيّة، وذلك من مبدأ “العيب والحرام، وهذه الأشياء سيتمّ التّعرّف عليها في الكبر” هنا يحدث الكبت في شخصيّة الابن أو الابنة، وكأنّ بعض التّطبيقات في عقله تمّ إيقافها ومنعها من العمل والتّفكير. لذلك ما إن تتيح للفتى أو الفتاة، في سنِّ المراهقة المتراوح بين١٤-١٥ سنة، فرصة المجاهرة بمكنوناته المغلقة والمكبوتة لتلبية فضوله سيتوجّه، كما قلتُ لكِ، إلى مصادر خارجيّة خشية من الأهل. يجب أن تبدأ التّربية الجنسيّة من قبل المدربين التّربويين أو المعلمين في مرحلة الحضانة والابتدائيّة عند الأطفال، وذلك من خلال إعادة منهجيّة العلوم لتشمل دراسة كلّ أعضاء الجسد ووظائفه وأهمّيته. إذ لا ضير َفي ذلك، وهو ليس بالأمرِ المعيب أبداً!

لقد خلق اللَّهُ تعالى الأعضاءَ في الجسد بأدقِّ تنسيق، ومن الخطأ جدّاً الخجل من الحديث عن بعض الأجزاء في الجسد، وشرحها للطفل/ة من قبل الأهل والمعلمين كي لا تظلَّ الأفكار عندهم في فضاء المجهول.
في أيّامنا هذه إذا حصل الاهتمام بالتّربيّة الجنسيّة من قبل الأهل والمدارس سينخفض مخاطر العبث اللاإرادي في مرحلة المراهقة، فالطّفل إن تلقّى التّربية الجنسيّة الصّحيحة من قبل المُربّي سيستطيع فهم الاختلافات والفروقات الجنسيّة بين الرّجل والمرأة، وسيفهم ماذا تعني الهرمونات، وكيف تعمل وتأثيراتها في مزاج المرأة، وماذا تعني الدّورة الشّهريّة، وماذا يعني الشاذّ الجنسيّ، وما معنى البلوغ، وما أعراضه في الجسد …
ينبغي على الطّفل أن يتعرّف على ماهيّة جسمه ووظائفه منذ الصّغر. أنا لا أدعو إلى خوض الأطفال في كلِّ الموضوعات الجنسيّة كمعنى المثليين على سبيل المثال. أبداً! فهذا سيفهمه في مراحل لاحقة، وإنّما أقول: من الضّروري أن يُقرأ الجسد من قبل صاحبه كي يستطيع فهمه واستيعاب عمله ليبقى راسخاً في ذهنه بالطّريقة المنطقيّة الصّحيحة، وكيلا يتحوّل الموضوع إلى استهزاء بين اليافعين في مرحلة البلوغ.

أمّا الثّقافة الجنسيّة فإنّها تأتي من العلم الذي يجب أن يتحوّل إلى منهجيّة تُدرّس ضمن الفصول المدّرسيّة. ومن المهمّ جدّاً أن يتثقّفوا الأهالي جنسيّاً من خلال قراءة الكتب العلميّة، كي يستطيعوا تحويلها إلى تربية جنسيّة في التّعامل مع الأطفال، وتعليمهم الموضوعات التي تزيد من وعيهم. إنّ النّصائح الجنسيّة الموجّهة للأبناء يُفترض أن تكون مدروسة وفق مسار واضح وسهل كما هي حال الموضوعات الصّحّيّة الأخرى في الشّرح والأدلّة. فعندما يأتي الابن/ة ويطرح سؤالاً على أهله لا يجوز إهمال أسئلته وتغاضيها. وفي حال لا يملك الأهل المعرفة الكافية عليهم الاطّلاع والتّثقّف والسّؤال من أهل العلم. إنّ وسائل الاتّصال اليوم أدّت إلى توارد وسرعة وصول المعلومة من أقصى الشّرق إلى أقصى الغرب بكلّ اللغات، فالمعلومات والإشكالات كلّها متاحة أمام هذا الجيل بكلّ سهولة. إذاً لماذا يمتنع السيّد الأب والسّيدة الأم الإجابة عن أسئلة أبنائهم؟! أليس من الأفضل والأسلم أن يكونا مسؤولين عن تقديم المعلومات الجنسيّة لأبنائهم وفق منهج منطقي وواضح، وتلبية فضولهم المعرفيّ تحت مراقبتهما من خلال القراءة والتثقّف؟!
– لماذا يعدّ ضروريّاً بدء الأهل باكراً في التّربية الجنسيّة مع أبنائهم؟ وماهي النّتائج الصّادرة عن إهمال الأهل لهذه المسألة، وعدم الحديث فيها؟
إذا امتنع الأهل عن التّربية الجنسيّة ومناقشة موضوعاتها أمام أبنائهم فستكون النّتائج سلبيّة وضارّة جدّاً من حيث أنّ هذا الطّفل سيكبر على عقد نفسيّة، فضلاً عن الخجل والتّردّد في أمره عندما تعترضه مشكلة ما. فلماذا إذاً الامتناع عن الشّرح المنطقيّ والمبسّط، ولماذا الامتناع عن التّربيّة والثّقافة الجنسيّة؟! من الضّروري جدّاً تلقّي الثّقافة الجنسيّة من قبل الأهل والأبناء معاً وإجراء الحوارات العلميّة بينهم بأسلوب منهجيٍّ وصحيح بعيداً عن التّسفيه.

أقولُ للأهالي علّموا أولادكم الاحترام من خلال التّربيّة الجنسيّة. وبأنّ الذّكر والأنثى مكمّلان لبعضهما في الحياة، وبفقدان أحدهما سيحدث الخلل في سيرورة الحياة. وعليه من الواجب مراعاة التّربيّة الجنسيّة من قبل الأهالي وضرورة البدء بها تدريجيّاً منذ الصّغر مع الأبناء لكي يساعدوهم في التّطوّر والنّمو الجنسيّ والعاطفيّ والفكريّ. وهنا يأتي دور المؤسّسات الاجتماعيّة والتّعليميّة والحكوميّة أيضاً في التّدخّل الضّروريّ لتعديل المناهج المدّرسيّة علميّاً، وكتابتها من قبل أناس مختصّون معاصرون يواكبون التّطوّر التّقّنيّ والمعلوماتيّ السّريع، وليس متخلّفون عن مواكبتها!