أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأمقالات عشوائية

التورّط في الكرم – خيراً تفعل شرّاً تلقى!

د. فاطمة أحمد

قد يثير هذا المقال حفيظة بعض البشر، لكن لو لم يُكتب لأثار حفيظتي حتّى النّهاية! أكتب عن الكرم، وأنا على يقين بأنّه فعل جميل وإنساني سامٍ، لكنّه لا يزيل قبح الآخر.

والمسألة هنا تخصُّ كثيراً من النّاس الأصلاء الذين لهم الحقّ في إبداء الاستغراب والتّعجّب ممّا يحصل لهم من مقابلة الجميل والمعروف بالاستهجان والنّكران.

يقول “فولتير”: “إنّ للمآسي حقوقاً”، ولعلّ أقلّ حقّ لنا هو تسليط الضّوء على مآسينا، فماذا يعني أن تقدّم الكثير من العطايا والخيرات سواء على المستوى المادّي أم المعنوي لتلقى في نهاية المطاف الامتعاض والجّحود من الآخر عند استنفاد طاقتك على البذل؟ وماذا يعني أن تكون السّند والمعين لأخيك الإنسان وتأتي المناسبة لينسف ذلك كلّه، فيتجنّب لقاءك والحديث معك، وإن التقى بك مصادفةً أشاح نظره عنك! هذا إن لم يلقِ عليك عبارات اللّوم والتّأنيب بسبب توقّف دعمك له.

قد يُخطئ المرء أحياناً إذا اعتقد أنّه لابدّ أن يسلك ذات السّلوك مع كلّ النّاس بمختلف طبائعهم، وأن يتصرّف معهم على درجة واحدة من بذل العطاء والكرم، إذّ ثمّة نماذج بشريّة في مجتمعاتنا، وإن كانت قريبة منك، تعتمد على قاعدة غريبة في فهم الكرم، وهي أنّ من يكثر تقديم الخير يُنظر إليه على أنّه نبع لا ينضب ولا يتعب، وإن ظهر على هذا الكريم علامات الإرهاق في المنح والعطاء يبادرونه بالتّقليل من الاحترام والتّقدير والتّقليل من أفعاله السّابقة.

التورّط في الكرم - خيراً تفعل شرّاً تلقى!

لا أقصد من كلامي التّوقّف عن فعل الجميل وبذل الخير لأنّ المرء، في الغالب، يكون قد ربّي على مبادئ إنسانيّة تشرّبت مع جيناته وطباعه ولا يستطيع نزعها مهما فعل وفقاً لمعتقداته ورؤاه الخاصّة، ولكنّ المسألة تحتاج إلى التّفريق ما بين الكريم واللّئيم في السّلوك، فالكريم لابدّ من معاملته بنفس كرمه، أمّا اللّئيم فلابدّ من الحذر منه، لأنّه قد يتلذّذ بالنّكران أو يردّ بالإيذاء.

من الجيّد أنّ نعرف كيف نتّخذ مسافة أمان مع النّاس من حولنا وفق قواعد مرنة وضمن الحدود المعقولة، ومخاطبتهم على مقدار عقولهم، كما علينا ألّا نتوقع أنّ البشر كلّهم يتّصفون بدرجة واحدة من التّقدير والاحترام، إذ بعضهم يشكر ويحسن، وبعضهم لا يحمد اللَّه على أيّ شيء.

إنّ فعل الجميل وعمل الخير لا يفهمها جميع النّاس، ولا يدرك قيمتها إلّا من يمتلك نضج الخبرة وعمقها والوعي بها، والأهمّ من هذا كلّه يحتاج إلى محبّة وصدق مع النّفس لانعكاس ذلك على الآخرين.

يُحكى في قديم الزّمان أنّ امرأة عجوز وجدت ذئباً حديث الولادة قد أُلقي في الطّريق، ويكاد يموت من الجوع، أسرع إليها الذّئب الصّغير عندما وجدها وتمسّح بها، وقرّرت المرأة العجوز أن تأخذ الذّئب وتربّيه بلا خوف، لأنّها كانت لا تعرف عن طباع الذّئاب، من ثمّ أحضرت أفضل شاة لديها وجعلتها ترضع الذّئب الصّغير، وبعد أن مرّت شهور، فوجئت العجوزة ذات يوم بالذّئب، وهو يهجم على الشّاة التي أرضعته ويقتلها ويأكلها!

التورّط في الكرم - خيراً تفعل شرّاً تلقى!

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
2 تعليق
الأحدث
الأقدم الأكثر تصويت
Inline Feedbacks
عرض كل التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى