البطولة بين الخيال والواقع

لطالما ارتبط مفهوم البطولة بالنّسبة لنا بالمستحيل، والخارق، وما يفوق الطّبيعة.
وكما في كلّ شيء، لأفلام الرّسوم المتحركة دور كبير في تكوين مفهوم البطولة لدينا، كونها نافذة نطلّ منها على الحياة، وكثير من القصص والشّخصيّات يكون لها تأثير عميق في نفوس الأطفال، وتحديد مستقبلهم.
قالت صديقتي، نائب مدير تحرير لإحدى أهمّ المجلات في مجال الأعمال في الشّرق الأوسط: “لطالما تخيّلت نفسي صحفيّة، الكتابة أسرتني، منذ أوّل مرّة شاهدت فيها “جودي آبوت”، وهي تكتب تلك الرّسائل لصاحب الظّل الطّويل …”.

مع تقدّم العمر تفهم أنّ للبطولة أشكال، وأن “جودي آبوت” لا تقلّ أهمّيّةً وتأثيراً عن “باتمان” وأمثاله.
وتدريجيّاً ستعرف معنى البطولة الحقيقيّة، المتاحة لأيّ منّا في كلّ زمان ومكان.
تكون بطلاً عندما تقدّم تضحية ولو بسيطة بقرار ثابت ووعي تامّ، كأن تعطي مقعدك في الحافلة لشخص متعب، أو امرأة حامل … أن تساعد شخصاً مسنّ في عبور الشّارع، أو صعود الدّرج، أو حمل أغراضه … أن تتعرّض لموقف انفجار إطار “سرفيس” الذي يقلّك من دمشق إلى حمص، فيمرّ شريط حياتك أمام عينك …

تقابل الموت وجهاً لوجه
في الشّدّة تظهر معادن الأشخاص، في الشّدّة تعرف من هم الأبطال.
-أن تكون متعباً ومرهقاً، لكنّك قادر على استيعاب الموقف واحتواء الشّخص الذي بقربك إذا شعرت أنّه تعرّض لصدمة مسبّقة، فباتت صحّته النّفسيّة متأثّرة بأبسط فعل أو حدث.
-أن تكون السّائق البطل الذي يتدارك الموقف بحنكة (الكابتن العتيق) ومناجاة الله، فينقذ نفسه ومركبته وما عليها من أرواح.
-أن تكون قد أحسنت تربية أطفالك فتخفّف من وطأة (غلاظة) تصرّفاتهم في سنّ المراهقة.
-أن تتصرف كقدوة حقيقية، عالماً بأن أطفالك هم مرآتك، واثقاً بأن هذا الانعكاس سينجم عنه مديح، وليس ترديد جملة “لعن الله تلك التربية”.

قد تكون بطلاً لمجرّد أنّك شخص لطيف، تتعامل مع النّاس بلطف، أو أنّك تمتلك ضحكة ساحرة طلعت على وجهك قبل طلوع شمس النّهار على هذه الدنيا، وفي بعض الحالات قد تكون بطلاً لمجرّد أن الله أنعم عليك بعيون ساحرة ونظرات تأسر القلب، وقد تكرّمت على الشّعب فلم تغطيهم بنظارة، وسمحت لكلّ من له عينان بالنّظر، فراح يتأمّل ويسرح بخياله ويسبّح الخالق.
قد تكون بطلاً لشخص أنت تجهله، فاحترم ذلك الاحتمال وتصرّف على أساسه.
وفي سياق آخر … بطلي اليوم هو من سأكونه غداً.