“الاعتداء الخفي” … الدّلال الزّائد للأطفال …
ترجمة: هبة الله الغلاييني

يسمى الدّلال المفرط للأطفال باسم “الاعتداء الخفي”، وهو حين يتساهل الآباء مع أبنائهم، ويبالغون في الاهتمام بهم، وفي حمايتهم، بحيث يكون لذلك تأثير سلبي.
يطلق عليه “الاعتداء الخفي”، لأنه لا يبدو في ظاهره بأنه اعتداء، وكثيراً ما يمارسه الآباء بقصد الاهتمام بأبنائهم، وليس بقصد الإساءة إليهم، في حين أنه من أسوأ الاعتداءات العاطفيّة على الطفل.

هذا الاعتداء له مظاهر وأشكال مختلفة، وليس بالضرورة أن تكون لدى الآباء، الذين يدلّلون أبناءهم، جميع هذه المظاهر في تعاملاتهم مع أبنائهم، وإنما قد يكون أحدها أو بعضها، وفيما يلي بعض منها:
- الاستجابة والخضوع لإلحاح وضغط الأبناء، وتلبية طلباتهم، التي قد تكون مضرّة صحيّاً وخطرة. فإذا كان تقييم الوالدين بأنه غير مناسب، فعليهما الثبات على قرارهما. إن الاستجابة لإلحاح الأبناء تؤثّر سلباً في ثقة الأبناء بأولياء أمورهم، فلا يعود لكلمتهم معنى أو قيمة، خاصّة إذا كان الأبناء يعرفون أنّهم في النّهاية سيحصلون على ما يريدون. إن هذه الطّريقة تجعل الأبناء يشعرون بعدم الأمان، لأنّهم لا يثقون بقوّة، ولا بمبدأ أولياء أمورهم، بل يجدون أنفسهم هم الذين يسيرون دفّة البيت.
- القيام بأمور نيابة عن الطفل، وهو قادر على القيام بها، مثل إلباسه الحذاء وملابسه، أو القيام بواجباته المدّرسيّة نيابةً عنه، في حين أنه في سنّ قادر فيها على القيام بذلك بمفرده. إن هذه المهامّ، والمهارات الحياتيّة، لا يتعلّمها الطّفل إلا من خلال القيام بواجباته، وأموره الخاصّة به، وحرمانه من هذه الفرصة يحرمه من التّطور في المستقبل. والأسوأ من ذلك، إن قيام الآباء بها نيابةً عن أبنائهم يجعل الأبناء لا يرون أهميّة لتعلّم هذه الأمور، فيبقون عالةً على الآخرين.
- المبالغة في الاستجابة لأيّ أذى أو ألم يتعرّض له الطفل. فقد يقع على الأرض مثلاً، وتخدش قدمه، فيكون ردّ فعل الأهل كبيراً، وبحجمٍ لا يتناسب مع ما حصل، وكأنّه كسر رجله. إن هذه المبالغة لا تساعد الطّفل على إعطاء الأمور حجمها الطّبيعي، وبالتّالي يصبح تضخيم الأمور جزءاً من طريقة الطفل في التّعامل مع أحداث الحياة.
- المبالغة في الاحتفالات الخاصّة بالأطفال، فنرى في مجتمعاتنا صوراً مبالغا فيها للاحتفالات، ومنها الاحتفال بذكرى ميلاد الأطفال. فيتمّ صرف مبالغ طائلة لأجل ذلك، وتوفير الكثير من الرّفاهيّة، والمتعة. وهذه الاحتفالات تكرّس لدى الأبناء شعور الاستحقاق والمطالبة، في حين أنّهم لم يقوموا بما يستحقّ هذا القدر من الاحتفال. إن القيام باحتفال بسيط يلطّف العلاقة بين أفراد الأسرة أمرٌ محبّذٌ، ولكن المبالغة فيه ستُفقد تلك القيمة، وستجعل الاحتفال من واجبات الأهل، في حين أنه يُعدُّ شيئاً إضافيّاً يقومون به، وليس من واجبهم ولا من حقوق الأبناء على آبائهم.
- عدم مراقبة الأبناء، وذلك بإعطائهم حريّة عمل ما يحلو لهم، حيث أن هذا الأسلوب في التّعامل مع الأبناء قد يعرّضهم للكثير من المخاطر، فمثلاً، قد يطلب الابن من والديه الخروج مع أصدقائه، والبقاء إلى وقتٍ متأخرٍ من اللّيل، فيسمح له بالسهر. وهذا الفعل سيكون له تأثير سلبي فيهم، فقد يقوم بما يؤذيه من خلال سلوكيّاتٍ غير صحيحة، أو قد يؤذي الآخرين، لأنّ المراقبة ووضع قوانين هو أمر مهمّ جداً لحماية الأبناء، ويساعدان على توفير بيئة آمنة لهم.
- الدّفاع عن خطأ الطفل، وحمايته من تحمّل تبعات خطئه. إن الأخطاء من الأمور التي يتعلّم منها الطّفل والانسان بشكلٍ عامّ، ولكن دفاع الآباء عن أطفالهم لا يساعد الأبناء على التّعلّم من تلك الأخطاء، بل على العكس فهم يتعلّمون قاعدة مدمّرة للتّطوّر الذّاتي، وهي التّنصّل من أيّ خطأ يقومون به. قد يحدث ذلك عندما يخطئ الطّفل في حقّ صديقه في المدرسة أو يتنمّر عليه، فعوضاً عن تأديب الطفل، والطلب منه تصحيح ما فعل والاعتذار، يقوم الوالدان بالدّفاع عن طفلهما! ممّا يكرّس سلوكه العدّواني، إضافةً إلى أمرٍ آخر، وهو أن المعلّم قد يُنقص من علامات الطّفل لأنّه لم يقم بالواجب، فيتدخّل الأب ليتمّ إعادة العلامة له، ويعطيه فرصةً أخرى، إن هذه الطّرائق تؤثّر في سلوكه، وعلاقاته المستقبليّة.
لماذا يتّجه بعض الآباء إلى الدّلال الزّائد:
قد يكون ذلك لأسباب عديدة، أحدها شعورهم بالذّنب لعدم وجودهم مع أبنائهم، فمع ساعات العمل الطّويلة التي يقضيها الوالدان أو أحدهما بعيداً عن أبنائهما، يتولّد لديهم شعوراً بالذّنب، فيقوم الوالدان بالمبالغة في توفير الألعاب، وسبل التّرفيه لتعويضهم، إن هذا الشّعور الذي يحمله الوالدان يلتقطه الأبناء بسرعة وقد يستغلونه، أو قد يتعمّق لديهم فيظهر في صور المطالبة المتواصلة.
السّبب الثّاني قد يكون قلّة الصّبر على تعليمهم. فعوضاً عن الانتظار لقيام الأطفال بمسؤوليّاتهم، مثل لبس الحذاء أو الملابس، يلجؤون إلى القيام عنهم بهذه الأمور. وقد يربح الآباء بعض الوقت في ذلك، ولكن الطّفل يكون قد حُرِمَ من تعلّم المهارات الأساسيّة. كما أن ضغط المجتمع الكبير على الأبناء والآباء يلعب دوراً كبيراً أيضاً، فالأطفال يتحدّثون فيما بينهم عن أحدث الأشياء التي اقتنوها، والأماكن التي زاروها، وغيرها من الأمور التي تزيد على الآباء ضغوطاً نتيجة طلبات الأبناء، والمقارنات فيما بينهم.

كيف يستطيع أولياء الأمور تجاوز هذه الأسباب، وعدم الانجرار في الدّلال المفرط؟
هناك طرق عديدة، منها:
- في البداية أهمّ خطوة هي الوعي لهذا النّمط من التّربية، وآثاره السّلبيّة، فكلّ أب وأم في حاجة إلى مراجعة طريقتهما في تربية الأبناء، وتأثيرها فيهم.
- أن يتفق الوالدان معاً على حدود معيّنة أو قوانين في الأسرة، مما يجعل الأبناء يشعرون بأمان أكثر، مثلاً تحديد الأماكن التي يسمحون للأبناء بزيارتها في أوقات اللعب، وعدد الألعاب التي يتمّ شراؤها، ومتى.
– الثّبات على قوانين الأسرة، وعدم الخضوع لضغوط الأبناء، مع مراجعتها كلّ فترة عندما يكبر الأبناء.
– أن يكون لكلّ طفل في البيت مسؤوليّات محدّدة حسب سنه، تساعده على بناء مهاراته، وزيادة ثقته بنفسه، ويشعر بقيمته في الأسرة.
وأخيرا، أريد أن أوضح بأنّ مهمّة التّربية كبيرة جداً وحسّاسة، فحقيقة الوالدين هي أن يخرجا إنساناً إلى هذه الحياة، فإمّا أن يكون إنساناً سليماً، ومعطاءً، وواثقاً، ويشعر بالسّلام الدّاخلي، ومتصالحاً مع نفسه، أو أن يكون إنساناً متوتّراً، ودائماً يطالب الآخرين، ومتذبذباً، وغير متوازن في ظلّ الحياة التي تجري بوتيرة متسارعة، والتّغييرات الكثيرة فيها، فالوالدان في حاجةٍ إلى الدّعم والمساعدة، خاصّة أنّهما سيستقبلان تحديات لم تحصل لمن هم قبلهم، لذا لا يجب أن يتردّدوا في طلب المساعدة، وعليهم البحث عن طرق جديدة للتّعامل مع هذه المتغيّرات، في سبيل عمل الأفضل من أجل أبنائهم.
المصدر: Big life journal ; Growth mindset for kids & Teens.
