الإعلام لم يُخلق لنا! … إذاً من يحتكر الـ”ميديا”؟
سنا محمد

“لم يُخلق الإعلام لنا”!، جملةٌ تكرّر إطلاقها على مسامعي كثيراً منذ سنّ الصّغر، عندما كنت أجيب على السّؤال التّقليدي: “شو بدك تصيري بس تكبري؟”، وكنت أحلم حينها أن أكون صحفيّة، فالإعلام والصّحافة من وجهة نظر المحيط كان يعني عالماً بعيداً عن البساطة التّي نعيشها، وتفاصيل الحياة التي نتمسّك بها، والتي بشكلٍ أو بآخر، هي الأقرب للصّدق والجمال والمحبّة.
لم أوافقهم الرّأي طوال سنوات الدّراسة في كليّة الإعلام، وأذكر أن من رافقني من الزملاء، كان جلّهم من ذوي الطّبقة المتوسّطة، ومن المعروف أنّها طبقة عاملة، تسعى للحصول على كفاف العيش، ولكن أسأل نفسي اليوم، وبعد التّخرج من الجامعة، أين هم من سوق العمل؟ وهل فعلاً لم يُخلق الإعلام أو الصحافة لأبناء هذه الطّبقة؟!
يمكننا الحصول على جزءٍ من الإجابة بنقرةٍ واحدةٍ على صفحات موقع التّواصل الاجتماعي “انستغرام”، فكيف لطالبٍ جامعيٍ درس في الصّحافة؛ أن يبدأ رحلته في عالم الـ”ميديا” – قد ذكرت مصطلح الميديا في إشارةٍ للإعلام الإلكتروني – فالعمل عبر وسائل الإعلام التّقليديّة يحتاجُ معارفاً، وخبرةً، لا يملكها الخريج الجديد، إذاً كيف يستطيع الطالبُ دخول هذا الفضاء الإلكتروني، إن لم يمتلك أدوات التّواصل الاجتماعي، وأوّلها الأجهزة الذّكيّة الأكثر حداثة، لالتقاط صور تغنيه عن شراء كاميرا للعمل الصّحفي، وثانيها توافر شبكة “إنترنت” لنشر ما يمكن أن يُكتب أو يُلتقط من صور، وثالثها صناعة محتوى يلقى الرّواج المطلوب، وهنا بيت القصيد: فإذا ما أجرينا بحثاً عبر وسائل التّواصل الاجتماعي كافّةً، سنجدُ أنّنا نتوجّه لتسخيف الأفكار المُهمّة، والخلّاقة، بربطها بالمادّة، كيف ذلك؟!
إذّ نجد أن مواد الصحافة المهمّة، والتي تمسُّ حياة النّاس، أقلَّ انتشاراً مقارنةً بصورةٍ لإحدى مقدّمات البرامج، وهي تعرض نظّارتها الشّمسيّة الأخيرة، وتضع أسفلها “كود” الخصم الذي يحمل اسمها.

إعلام اليوم، مليءٌ بالفلاتر، وبالوجوه المزيّفة، إعلامٌ يروّج للوفرة الماديّة، والحياة الورديّة، إعلامٌ يجلبُ التّعاسةَ لمن يحلمون بدخول هذه المهنة، ويحبطهم، فهو يُفَصّل شيئاً فشيئاً على مقاس من هم موفوري الحال، وتُطرّز بناء على أسلوب حياتهم، فلا يمكننا العمل في هذا المجال من دون أن ننشرَ صوراً لوجبة الفطور الأوربيّة، وللوقت السّعيد في النادي الرّياضي، والتسوّق اليومي لمواكبة أحدث صيحات الموضة، وما إلى ذلك، وإن كان لأحدنا اتخاذ قرارٍ بعدم دمج حياته الشّخصيّة بالمهنيّة، فسيشعر بأنّه مُخطئ عندما يتصفّح مواقع التّواصل على اختلافها، وسيقلُ تدريجيّاً رصيد فرصه في العمل كونه لا يجلبُ لصفحاته “ريتينغ”، أو متابعة عالية.
وفي نفس الوقت إن لم يكن لأحدنا شرف الخوض في الحياة المهنيّة، فلن تتمكن من الحلم لحظةً واحدةً؛ في الوقوف أمام الكاميرا، وستنبّهك ملابسُ المقدّمين لواقعك الصّعب، مع الشعور بالبعد عن ذلك الشّغف الذي كان يحيا في الذّاكرة.
المؤسف حقّاً أن تحوّل هذه الوسائل البعض منكم، لمسخَرين للـ”سوشال ميديا”، وأن يفقدكم متعةَ البعد عن الأضواء لساعاتٍ قليلةٍ خلال اليوم، أو أن يجبركم للعيشِ في عالمٍ بعيدٍ عن الواقع الحقيقي، فهو إن غدا كذلك، ومهما تطوّرت أدواته، ليس إعلاماً على الإطلاق، وأنتم بالتّأكيد لستم إعلاميين، لأنّ هذه المهنة ليست حكراً على فئةٍ واحدة وحسب، ولا تنحصرُ فقط في الظّهور المبتذل، والبذخ الفارغ، مهما حاول البعض منكم تعويم ذلك.
