أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأالمقالات عامةبقلم رئيس التحرير

الإعلام الكاذب

رئيس التحرير: عامر فؤاد عامر

أيّها الإعلام الموجّه وأيّتها الأبواق الرّديفة الزّائفة، أدير وجهي خجلاً منكم، فمن العار أن تكون الصّحافة (صاحبة الجلالة) موطناً للدّعارة والتّفنن في الكذب والعهر الفكري! أين هي المهنة الشّريفة التي تركت لنا تاريخاً وأسماء لا يمكن أن تنساها الذّاكرة!؟

أوصلتمونا بهذه المواقف المتضادّة بين المحطّات، لا بل في المحطّة نفسها إلى عدم الثّقة بكم أبداً، وبسببكم قد لا نتفاجئ يوماً بأنّ محطّات العدو كالقناة الإسرائيليّة الثّانية مثلاً أن تبثّ في أخبارها اليوميّة عن الفلسطينيين وتآزرهم وتقف إلى جانبهم ضدّ الجيش الإسرائيلي!

بثّت قناة “سكاي نيوز عربية” تقريراً مصوّراً في الآونة الأخيرة، عرضت خلاله مقاطع قديمة لمهاجرين سوريين – وثائقيّات خاصّة – يحاولون قطع حدود دولة أوربيّة إلى أخرى، وتعترضهم مراسلة أو صحفيّة تعرقل مسيرة بعضهم بقدمها غير مكترثةٍ بالأطفال الصّغار المستقرين بين أيادي آبائهم، بل تركل البعض بعنفٍ بقدمها. ولا مشكلة في سير التّقرير الذي قارن بين ما جرى مع السّوريين وغيرهم من تعامل أوروبي لا إنساني، وما يجري من تعامل إنساني مع اللاجئين الأوكرانيين وتعاطف متطرّف من كلّ أنحاء أوروبا، مع ذيل طويل من الجمل والصّور التي تثير المشاعر في جمل خطابيّة رنّانة وغيرها من المقارنات بين ما حصل البارحة وما يحصل اليوم.

الإعلام المزدوج
عودة فيديو المصورة المجرية

لا اعتراض حتّى هذه اللّحظة، لكن تقبع المشكلة في الذّاكرة القصيرة للمحطّات الإعلاميّة وسياساتها غير السّويّة، فمنذ مدّة نفس المحطّة وغيرها كانت تستخدم ذات الصّور والأخبار لمحاربة طرفٍ ما لصالح طرفٍ آخر، في حين أنّها اليوم تستخدم نفس هذه الصّور بعكس الاتجاه الذي كانت تستخدمه في السّابق!

الإعلام المزدوج
المصورة المجرية

أين توزن هذه المواقف يا تُرى؟ فمن قمّة اليمين إلى قمّة اليسار! وهل يجوز التّبنّي الأعمى من قناة كتلك أو الجزيرة أو الـ “بي بي سي” عربيّة أو غيرها من أخواتهن، هل يجوز لهنّ القفز من موقفٍ إلى عكسه وبهذه السّرعة، هل يجوز هذا في الإعلام؟!

يا أصحاب هذه المحطّات إن النّاس ليست بغافلة عن هذا النّفاق؟! وقد تعلّمنا في الإعلام أنّه من الممكن المبالغة في الخبر شرط ألا نغيّر من حقيقته؛ لكن أن يصبح حاملاً للنّفاق فهذا لا يجوز!

ما كلّ هذا الزّيف والتّطرف في نقل الصّورة، يكاد المرء يهوي خجلاً من هذه الحملة الكاذبة، فلا مصداقيّة ولا أمان في مطالعة الأخبار للأسف، ولا يمكن للمرء أن يدير بظهره لهذه الحرب وكأن شيئاً لم يكن، الأمر يهمّ كلّ قاطن لهذه الأرض، لكن أصبح أن تصدّق خبراً هو مسألةٌ في زاوية ضيّقة جدّاً!

نشر منذ أيّام أحد المواقع خبراً فحواه سيطرة مدني أوكراني على دبابة روسيّة، وفي الصّورة نلاحظ صورة لرجل يحمل علم أوكراني يقف على دبابة أوكرانيّة! وهذا كذبٌ من نوعٍ آخر، يُعتمد فيه على عدم تركيز الجمهور في الرّبط بين الصّورة والخبر، والتّصديق السّريع لكلّ ما يُنشر.

الإعلام المزدوج
المواطن أوكراني والدبابة أوكرانيّة!

نطالع خبر آخر وعدّة أخبار تروي عن هول انفجارٍ في “ميكولايف” الأوكرانيّة، وعند متابعة الفيديو يتبيّن بالملاحظة أنّه لا يتعدّى عن انفجار قنبلة يدويّة! لا سيّما لمن عاش الحرب لسنوات فببساطة يميّز بين هول الانفجار وبين “فقعة” قنبلة يدويّة أو “خبطة” قذيفة هاون! وذلك من الصّوت فقط.

الإعلام المزدوج
قنابل يدويّة توصف بأنها انفجارات كبيرة

صرّحت المحطّات الأوربيّة والأمريكيّة بتعطيل الدّبابات الرّوسيّة ومقتل العديد من الجنود الرّوس، والإعلام الروسي صرّح بتفوّق حملته العسكريّة والتّقدّم في أرض الميدان مع التّحفظ على ذكر أيّ خسائر! وذلك من أجل رفع المعنويّات أمام الحملة الإعلاميّة الشّرسة بالمواجهة.

تتمتّع الصّورة “الفيديو” بتفوّق مزدوج مقارنةً بالكلمة على المستوى الحسّي الفردي، وكذلك في طريقة استخدامها على المستوى الإعلامي اعتماداً على نظريّة “بايفيو”، لكن اليوم أصبح الكذب صفة لصيقة للمحطّات التي تنسج الخبر وتوزّعه على أنّه الحقيقة، فإلى أيّ حضيضٍ سنصل؟!

ريتنغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى