أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأمواهب واعدة

الأمثال والحِكم إرثٌ شعبيّ قديم … ولكن!

علي الخضير

يقول المثل الشّائع “اسأل مجرب ولا تسأل حكيم”، ويقول أيضاً “فرخ البَط عَوّام”، و”طُبّ الجرّة ع تمّا بتطلع البنت لأمّها”، هذهِ عيّنة صغيرة من بحر الأمثال الشّعبيّة المتداولة في سورية، وبعض دول الوطن العربي، وهناك اختلاف كبير بين النّاس على صحّتها، وقابليّة تطبيقها على المواقف والظروف المختلفة.

فكما تعلمون؛ البشر أقلّ تقبّلاً للنّصائح، وإن كانت على حقّ، لأنّ أغلب الأشخاص يميلون إلى الاقتناع بآرائهم على حساب آراء غيرهم، حتّى الأكثر معرفة ودراية منهم، ويحكم ذلك طبيعة النّفس البشريّة.

فمثلاً عندما نمرض كان آباؤنا وأمّهاتنا يمتلكون جميع الحلول، وكانوا يمشون كغيرهم من النّاس على مبدأ “اسآل مجرب ولا تسأل حكيم”، لكنّها ليست كافية للأسف، ومن القصص التي سمعتها قصّة مرض صديقتي التي عانت من وجع في منطقة خصرها، والدها قال إنّها تعاني من الزّائدة الدّوديّة، وأمّها قالت بل هذه أعراض القولون العصبي، وعمّتها خَمّنت بأنّ ما تعانيه الفتاة هوَ نزلة برد لا أكثر، وبينما كانوا يطرحون الحلول كانت صديقتي تتلوّى ألماً فتنصّلتْ من أحاديثهم وذهبت إلى الطّبيب ليخبرها بأنّها تعاني من نوبة رمل.

الأمثال والحِكم إرثٌ شعبيّ قديم ... ولكن!

كذلك الأمر، قصّة رأيّتها طريفة على الرّغم من سوادها في البداية، وهيَ عن صديقي الذي كان يعيشُ قصّة حبّ مع فتاة اتفقَ قلبها وعقلها مع قلبه وعقله، ووجدَ فيها الملاذ الآمن، فعقدا العزم على الخطوبة وبعدها يتزوجان، وما إن أخبرَ والدهُ رفض الفكرة وقال “أمّها مطلقة، وأبصر ليش اتطلّقتْ، لا ما عجبني اختيارك شوف وحدة غيرها بكرى البنت بتطلع متل أمّها…”، بالمقابل رفض أهل الفتاة خِيارَ ابنتهم فوالد صديقي متزوّج ثلاث زيجات، وخافوا على ابنتهم بقولهم” فرخ البطّ عوّام، بكرى بيتركك وبيتزوج عليكي”.

الجّميل بالأمر أنّ صديقي رجل مُثقف ذو عقلٍ مُنفتح وحبيبتهُ ذات عقلٍ مَرِن لا تأبه للعادات والتّقاليد والأمثال الشّعبيّة، وعندما تقابلا جلسا يضحكان على تلكَ الأفكار والحِجج التي تذرّع بها الأهل، وبقيا على الّرغم من كلّ الضّغوطات مُتمسّكين برابطة الحبّ والعقل التي جمعتهما، فتزوجا بعد إقناع الأهل واستقرّا في أوروبا، وأصبح لديهما فتاة عمرها عامان، يعتبرها أهل صديقي وأهل زوجتهِ أميرة زمانها، والجميع يقيم الموائد عند قدومها لزيارتهم، والجميع نسيَ الخلاف الذي كان قبلَ الزواج.

لا ضير في النّهاية من بعض الأمثال، لكن لا داعي للالتصاق بها، فهيَ مُجرد كلام من ابتكار الأجداد وليست آيات مُنزّلة، لذا من الأفضل بلا شكّ هو الجمع بين المعرفة المكتسبة من البحث والدّراسة والتمحيص، وبين الخبرة المتراكمة على مرّ السّنين والأخذ بما يُرضي النّفس عند الاختيار ببعض القصص كالزّواج، ويُفضّل اللجوء إلى العلم، وليسَ للخبرة في بعضها الآخر مثل الأمراض.

الأمثال والحِكم إرثٌ شعبيّ قديم ... ولكن!

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى