هل نعتني بمبدعينا ؟
أراقب الـ”فيسبوك” بين الحين والآخر، تستوقفني بعض المقالات ولا أكترث بكثير من الصّفحات … لكن أن أرى منشوراً للدكتور إسماعيل مروة فيه من الألم ما فيه؛ فهذا يعني الكثير.
حين يكتب أديب مبدع بوزن الدكتور إسماعيل مروة عن رغبته في بيع مكتبته التي فضّلها على احتياجاته الشّخصيّة، ويبرر ذلك في خوفه من ضياعها بعد رحيله، فهذا يستدعي سؤالاً بل أسئلة تلحّ على ضمائرنا، فلا نجد لها من أجوبة سوى اللا شيء.

أين نحن من الأدب؟ وأين نحن من المبدعين؟ وأين نحن من الموروث؟ وأين نحن من الإبداع؟ وإلى أيّ هوّة وصل الحال بنا؟ وكم مقدار الشّرخ بيننا وبين الثّقافة والمعرفة والإبداع والميراث؟ ويبقى السّؤال المُلحّ من هو المسؤول عن كلّ هذا؟!
يكتب بخيبة وهو الذي اعتدنا على الإيجابيّة في حديثه، ترى ما الذي دفعه الى كلّ هذا الالم؟ وهو الذي يحوّل الحزن إلى نجاح وسعادة يتحدّث حديث مودّع، وقد اعتزل العمل الإبداعي وابتعد عنه، وكانت سيرته الذّاتيّة “الأيّام كما عشتها” آخر عمل خطّه وصرّح بعده بابتعاده عن ساحة الفكر والإبداع ليصدمنا اليوم بقراره الجديد!
تقرأ كتبه فلا تجد إلا المحبّة، يُخلص لمن يحبّه، ويحبّ من يكره، كما يقول: “أحبّوا كارهيكم”!
صادف هذا الخبر انتهائي لقراءة كتابه “قطار يتحرّك من الدّيوان السّوري” وأنا حريصة على جمع أدبه وكلّ نتاجه لما لها من قيمة ولما تحمل من إبداع ورهافة، وكنت قد أُعجبت بكميّة الصّدق والحبّ والانتماء السّوري، وكلّ هذه المفردات يخلص لها الدكتور إسماعيل مروة، فهواه الشّآمي يتجلّى في كلّ كتاب من كتبه، يرسم بحروفه أجمل اللّوحات لمحبوبته شام.

ومن يعرف الدكتور إسماعيل مروة يعلم جيّداً أنّه المثقف الحق، فقد روى لنا في إحدى المحاضرات أن مكتبته تحوي ١٣٠٠٠ مجلّداً، تنوّعت بين أمّهات الكتب من الموروث العربي وأهمّ الدّواوين الشّعريّة، وكتب لفلاسفة الفكر والحضارة، فكان نتاجه الفكري كلّ ذلك مجتمعاً، فهو التّراثي المتمسّك برواسخ العروبة، وهو الحداثي المنفتح على الفكر والأدب، يمزج بينهما بخيوط من العلم والتّلاقي والتلاقح الحضاري، وهو القارئ العربي النَّهِم، اكتنز كلّ تلك الكتب برأسه، وكأنه مكتبة متنقلة متى أراد استل كتاباً من الذّاكرة، يُدلي بما يريده منه، يعطيك اسم الكتاب ومؤلّفه ولمحة عنه إن أردت، فتشعر بقزمك وتُدهشك هذه القامة المملوءة بالمعرفة والحبّ.
تنظر في نتاجه الأدبي لتنبهر أمامه فقد تجاوز تسعين كتاباً بين قصّة ونثر وأدب وتحقيق ونقد، كلّها تفتح لك آفاقاً كُثر وتساؤلات تقودك للبحث والمعرفة، فيصنع منك باحثاً شغوفاً.

أذكر في قصّةٍ له اسمها المكتبة في مجموعته القصصية “تداعيات في مقهى الشرق” يتحدث فيها عن علاقة صاحب المكتبة بالكتب حيث يجد لكل كتاب قصة، فيغص بدموعه حين تأتي لحظة البيع وقد أحاطته الحياة بما أجبره على بيع شذرات عمره، وتأتي ابنته لتراه يجرد الكتب، ويدون أسماءها وهو ينوي بيعها فتبكي معه بعناق حار فتنثال الدموع مطرا على حروف من رحلوا، ترى هل تتحقق نبوءته أم أننا سنعي حرقة كاتب؟
في يوم كان يلقي علينا محاضرة رائعة من محاضراته وتذمر بعضنا من البرد القارس، قال بعض الكلمات التي تدفعنا نحو الحياة وختم كلامه بقوله:” إذا شعرت بالبرد أذهب إلى مكتبتي، فرفوها المملوءة بأفكار من رحلوا تقيني البرد، وأنفاسهم تبث في روحي الدفء..”

هذا الإرث يجب ألّا يذهب سدى، وهؤلاء المبدعون يجب أن يُكرّموا ففد عاشوا مع الأدب والفكر وقاسموه حياتهم، وصبّوا عقولهم على الكتب أفلا يستحقون؟