أحدث المقالاتأهم المقالاتمواهب واعدة

كيف يُسهم الرجل في خيانة المرأة ذاتها؟

مرح الحصني

“بعد العمليّة، رجعت على بيت أهلي مباشرةً، خجلت ارجع لعند زوجي، لأنه شِلْتْ الصّدرين، ما بس واحد”.

هذا ما قالته “منى”، بعد أن قامت بعمليّة استئصالٍ للثّدي، خسرت بسببها أهمّ ما يراهُ المجتمع الذّكوري معالماً للأنوثة، وبسبب تربية مجتمعيةٍ خاطئة تكبرُ فيها الأنثى، وهي مقتنعة أنّها مجرّدُ أداةٍ لإثارة الرّجلُ، وأنّها تتزوّج لتكون مجرّد آلةٍ للإنجاب، آثرت “منى” ألا تعود إلى بيت شريكها، الذي يبدو أن لا مكان للشّراكة فيه، خجلاً من جسدها الذي أصبح خالٍ بشكلٍ كاملٍ من أحدِ أعضاءه، حيثُ أصبحت منطقةُ صدرها مسطّحةً تماماً، خاليةّ من أيّ تكوّرٍ يوحي بوجود ثديين، حيثُ لا مكان لحمالة الصّدر على أشكالها المختلفة بعد اليوم.

لم يكن الأمر خسارة “منى” صدرها وحسب، بلّ خسرت ثقتها بنفسها، وخسرت صداقتها مع جسدها، بالإضافة لخسارتها بيت الزّوجيّة، الذي استمرت في بنائه ما يقارب العشر سنوات، وخسارتها لأنوثتها على حدّ تفكير هذا المجتمع الذّكوري، الذي يرى الأنثى مجرّد جسدٍ بمعاييرٍ وقوالبٍ جاهزةٍ، وأيّ خروجٍ عن هذه المعايير يَطرِدُ المرأة من دائرة الأنوثة، ويتركها في دوامةٍ مخيفةٍ تبحثُ جاهدةً عن بدائلٍ أنثويّة، تُكسبها رضى المجتمع، ولكن في المقابل يجعلها تخسرُ حبّها لذاتها، وثقتها بجمالها.

استئصال الثدي

تبدأ البحث عنها في أشياءٍ كثيرةٍ؛ ظنّاً منها أنّها ستجدُ ضالتها، لكنها تنصدم في النّهاية بأنّها تفقدُ نفسها أكثر فأكثر، وعندما تفقدُ قدرتها على التّواصل مع جسدها ستفقدُ أدنى قدرة للتّعامل مع المجتمع، وبشكلٍ خاصّ ستفقد القدرة على التّواصل مع الشّريك، وخاصّة أن مفهوم الشّراكة الزّوجيّة في المجتمع الشّرقي يتوقف على قدرة المرأة على التّعايش مع ظروف شريكها الصّعبة لا العكس، فأيّ تقصيرٍ من قبل المرأة، أو أيّ عجزٍ جسدي يصيبها سيجعلها مهدّدةً بالزّوجة الثّانية، أو الطّلاق، أو الهجر لتصبح أشبه بأيّ قطعة أثاثٍ مهملةٍ في المنزل، هذه الأسباب وغيرها دفعت بـ”منى” أن تختصر على نفسها الطّريق، وأن تقي نفسها من أيّ إهانةٍ توجّه لها بغير ذنبٍ، لذا آثرت العودة إلى بيت أهلها، متجاهلةً أنّها روح قبل أن تكون جسد، راضخةً لطريقة تفكير المجتمع، موفّرةً على نفسها الخوض بما تبقى من حرب تافهةٍ مع الفكر الذّكوري المنحطّ.

استئصال الثدي

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى