أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأمقالات عشوائية

مساحة وعي (6) … وَاضْرِبُوهُنَّ

د. مأمون علواني في حوار خاص مع د. فاطمة أحمد

اختراق العنف

حوار حول المفكّر فيه، والمسكوت عنه، مع د. مأمون علواني – الرّئيس التّنفيذي لشركة “ريتينغ برودكشن”.

– ما موقفك من مسألة العنف ضدّ المرأة؟ وخاصّةً أنّ الخطاب الذّكوري في مجتمعاتنا الشّرقيّة يجد مبرّراً دينيّاً للتّعنيف بالاستناد إلى الآية الرّابعة والثّلاثين من سورة النّساء في قوله تعالى: “وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا”.

العنف ضدّ المرأة هو عنفٌ ضدّ الإنسانيّة كلّها، لأنّك لا تستطيع أيّها الرّجل إظهار قوّتك من خلال عضلاتك عندما تكون في نقاش وحوار، فاستعمال العضلات بمثابة خسارة، وعندما تستعمل عضلاتك فهذا يعني أنّ المرأة تفوّقت عليك بحجّتها، وأنت لا تملك الحُجّة.

يريد الرّجل الاستناد إلى الخطاب الدّيني الذي تحوّل إلى خطاب ذكوري، وهو لم يكن كذلك، وللأسف الشّديد ٨٠٪ من المفسّرين لم يفهموا المعنى الحقيقي لكلمة “اضربوهنّ”، والضّرب هنا لمن ” تخافون نشوزهنّ” بحسب ما ورد في السّياق القرآني للآية: “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا” النّساء (34)

اختراق العنف

وأقول هنا: بأنّي لستُ مفسّراً ولا أدّعي التّفسير، ولكنّي قرأتُ تفسير هذه الآية عند الاتجاهات التّفسيريّة كافّة، إلّا أنّ هذه التّفسيرات لم تدخل أعماقي، إذ ذهبوا إلى أنّ الرّجال هم القوّامون، أيّ المسؤولون على النّساء مادّيّاً، وهم المسؤولون عن حمايتهنّ، فلبّسوا الآية كلّ أنواع التّفسيرات التي تركّز على فكرة أنّ الرّجل هو المعطي والمُحبّ والحنون!

لماذا قال اللَّه تعالى: “الرّجال”، وهل المقصود بالرّجال المذكّر فقط؟ الرّجال هنا في الآية هم: المرتجلون، أيّ الواقفون والمنتصبون في الأرض، كما لم يقل جلّ جلاله “بما فضّل بعضهم على بعضهنَّ”، إذاً الرّجال لفظٌ يشمل الذّكر والأنثى، على عكس ما أوردته التّفسيرات من معانٍ ملتوية ومخاتلة.

كذلك عندما قال تعالى: “قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا” الآية (٣٧) من سورة الكهف.

الرّجل هنا ليس الذّكر، بل يشمل الذّكر والأنثى، أيّ ارتجل الإنسان ووقف على قدميه، وهذا ما يميّزنا عن باقي المخلوقات.

وفي العودة مرّة أخرى إلى الآية التي استشهدتِ بها في سؤالك: “بما فضّل اللَّه بعضهم على بعض وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ” والسّؤال هنا: ماذا لو أنّ الذّكر لا يملك المال الكافي، على حين أنّ الزّوجة الأنثى تملك أضعاف ما عنده، فمن الذي سيكون مسؤولاً عن الإنفاق في هذه الحالة؟! قطعاً من يكون ميسور الحال مادّيّاً، ومسؤولاً عن الإنفاق هو من يكون القوّام سواءٌ أكان ذكراً أم أنثى.

اختراق العنف

والتفضيل الذي جاء في قوله تعالى: “فضَّل اللَّه بعضهم على بعض”، أيّ من يُصلِح ويفعل الصّلاح، وغالباً من يملك المال أكثر هو من يقود البيت ويديرها. وكلمة “الصّالحات” لا تعني هنا من تصوم وتصلّي، بل تعني الصّالحة للقوامة، أيّ قادرة على قيادة وإدارة البيت وحفظ الغيب.

أمّا في قوله تعالى: “وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ”، فالنّشوز هنا هو: الاعتلاء، فكلمة “نَشَزَ” تعني: اعتلى عليه وتكبّر. والسّؤال الذي يتبادر إلى الذّهن: إذا كان القوّام هو من يدير ويقود شؤون البيت فكيف للطرف الثّاني أن ينشز ويتكبّر وهو ضعيف الحيلة؟! إذ يفترض أن يصدر النّشوز والتّكبّر ممّن يقود البيت، فيمنّن ويتعالى على الآخر بما عنده من سيطرة وقوّة مادّيّة، وليس العكس.

وأمّا عن كلمة “فعظوهنَّ”، أيّ قدّم لهنّ النّصح بالكلمة الطيّبة والمقصود بـ”وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ” أيّ ابتعد عنها، كأنّ تنتقل إلى غرفة أخرى لتنام هناك، فإن لم تنفع تلك الطّرق “اضْرِبُوهُنَّ”، والضَّرب ليس المقصود به العنف، قطعاً لا! وإنّما المقصود به: اترك المكان (البيت)، وافصل نفسك عنها. وتذكرين الآية الكريمة: “فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ البَحْرَ” الشعراء الآية (٦٣).

فالضّرب إذاً لا يعني أن يرفع الإنسان يده ويمارس العنف. إنّ كتاب الله القرآن قديم بقدمه وسيرافقنا إلى يوم القيامة، وكلّ ٥٠ أو ١٠٠ عام تقريباً يأتي بشرٌ يفسّرون ويقرأون القرآن وفق عقليّات وأدوات معرفيّة مختلفة، فيخرجون لنا بتفسيرات عديدة، وقد تكون عجيبة أيضاً٠ متناسين أنّ كتاب اللَّه قد أُنزل علينا كي نطوّر من أدمغتنا، ونستعمل كلّ “الغيغات” الموجودة عندنا.

السؤال الآخر هو من النّاحية القانونيّة: كيف تفسّر التّمييز الاجتماعي ضدّ المرأة في عالمنا العربي؟

للأسف الشّديد القانون عندنا ٩٠٪ منه مأخوذ من الشّريعة، والتّفسيرات التي تدور حوله، والخطاب الدّيني يقوده الذّكر، وهذا الذكّر لا يتنازل ولا يتساهل أبداً إلّا بقوّة العصا، وإلّا يبقى على حكمه في الإدارة والقيادة. لذلك نجد إلى الآن بعض الأماكن التي يُمنع فيها المرأة من قيادة السّيارات أو ممارسة حقّها الانتخابي، أو حتّى الخروج من البيت، فتحوّلت بذلك إلى عجينة في يد الذّكر، مثلما فهموها،  أيّ خُلقت للمتعة الجسديّة والاستمتاع بها.

اختراق العنف

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى