أحدث المقالاتأهم المقالاتإقرأمقالات عشوائيةمواهب واعدة

إعلامي في بضعِ ساعات!

دكاكين إعلاميّة تجعل من الإعلام “شغلة اللّي ماله شغلة

هديل ناصر مزهر

مثلما أصبح الفنّ بشتّى أنواعه “شغلة اللّي ماله شغلة”، بات الإعلام من منظور البعض صناعة سهلة الاختراق، وفي بعض الأحيان أيضاً “شغلة اللّي ماله شغلة”.

أوليسَ الإعلام همزة الوصل بين الفنون والأدب والإبداع؟!، والأب الرّوحي لوجه الحضارة، ومرآة الثّقافة الأسمى لكلّ البلاد؟!

أكاد أقول، لا بل أجزم أنّه في الآونة الأخيرة، وعلى وجه الخصوص الأعوام السّبعة المنصرمة، ازداد عدد إعلاميّي سورية – كما يطلقون على أنفسهم – حوالي ٨٠% بالسّرعة نفسها التي تقلّصت فيها أعدادنا وأرواحنا وذاكرتنا جرّاء الحرب!

ألا يمكن أن يكون هذا من بعض مخلّفات الحروب، والأزمات على المستوى الثّقافي والفكري؟! أم أنّ للحرب إعلاميّيها المزيفين، بالمعنى المجازي لكلمة إعلامي، لأنّ المعنى الحقيقي ينطوي على شروطٍ عدّة، لا يفقهها حتّى بعض القائمين على هذه المهنة الرّائعة بمصاعبها.

أقصد إعلاميّي الحرب كما تجارها، تفرزهم ظروف الحرب بخبثها، وحالة التّفريغ التي تغزو البلاد، جرّاء انقسام الآراء السّياسيّة، التي أجبرت العديد من الخامات والقامات الإعلاميّة الكبيرة على المغادرة والرّحيل، وبالتّالي باتت السّاحات ملعب خالي لبعض المتسلّقين وعديمي الموهبة، إضافة إلى فوضى هذه الحروب، وتعاقب الأزمات على جميع الأصعدة، وما يتخلّلها من غياب المسؤوليّة الفكريّة، وهشاشة النّقد أو انعدامه إلّا مؤخراً، كذلك الاختلال في توازن الذّائقة العامّة، فَتُخرِج ما بداخلهم من هوس الوقوف أمام الكاميرا، وحبّ الشّهرة، أو تصفيق ذويهم عند كتابتهم بعض السّطور هنا وهناك، مع الاحتفاء بمحاولاتهم ضمن هذا المجال، ويعيشون ما أسمّيه بوهم (إعلامي في بضع ساعات)، سواء من خلال دورات تدريبيّة، تُغني مخيّلة المشتركين بالكمّ الكبير من المعلومات، والخبرات التي ستمنحهم إيّاها، أو حتّى ورشات عمل لا تتعدّى ثلاثة أيّام يحصلون لقائها على شهادة تدريب إعلامي، يستشهدون بها في محيطهم الاجتماعي والتّعليمي، وكأنّ صفة (إعلامي) هي لقب نتبادله عند مدح محاولات بعضنا البعض، غير مدركين لما تتطلّبه هذه المهنة من سنوات خبرة، و باع طويل في غمار الصّحافة والطّلاقة اللّغويّة، ناهيك عن السّلامة اللّفظيّة، ومخزون ثقافي لا بأس به، إضافة لضبط لغة الجسد بشكل جيّد، والكثير الكثير إذا أردنا الحديث عن شروط العمل ضمن ميادين الإعلام بشكل عامّ.

أودّ التّنويه هنا إلى ضرورة الفصل بين عدة نقاط مهمّة:

ليس كلّ صانع محتوى على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، إعلامي.

ليس كلّ من يملك قناة خاصّة على “يوتيوب”، كمنبر لإيصال صوته وأفكاره، إعلامي.

ليس كلّ متحدّث بشأن ما أو باختصاص معيّن، اتّخذ من الفيسبوك وسيلة له، إعلامي.

وغيرها من الأمثلة التي لا يسعنا الحديث عنها جميعها في هذا المقال.

إنّ أحداً لا يستطيع الوقوف في وجه من أراد التّطوّر لنفسه وإمكاناته، فالنّجاح في أيّ مجال مهمّ وضروري يستهوينا جميعاً، لكن الطّريق إليه يغدو ممتعاً أكثر بتمتين أقدامنا وغرسها في ساحات العمل، بالتّدريب وصقل نقاط القوّة بالشكل الصّحيح مع الاجتهاد والصّبر، من دون العدو سريعاً نحو القمّة، لأنّ ثمار السّعي لن تنضج بعد ولا تُجنى إلّا في مواسم الحصاد.

(قبل أن تقفز إلى السّماء، تعلم كيف تمشي على الأرض) – ميخائيل نعيمة.

ريتنغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى