أنت عبد! … لأنّك غير مستقل ماديّاً!
بشار دولة

أنت عبد الرّأسماليّة، أنت من ضمن قطيع العمال والموظفين في بلدان العالم الثّالث، الذين يعملون على الأغلب من الصّباح للمساء، يخدمون أجندة معيّنة أو سياسة محدّدة، سواء في معمل أو شركة أو في وسيلة إعلاميّة، يعملون لوقتٍ طويل كلّه لأجل أن يعتاشوا، ويؤّمنوا قوت يومهم، أو شهرهم ربّما، في هذا الصّدد قال “فردريك نيتشه”: “من لم يملك ثلثي يومه، فهو عبد”، لو كنت كذلك أيّها المواطن العربي تعمل لتأكل وتشرب، فأنت غير مستقلّ لا ماديّاً ولا فكريّاً، إذاً اعذرني، أنت عبد.
تجد نفسك كموظّف وآلة تعمل كلّ المهام المُناطة بك، وكلّ مجهوداتك تصبُّ في مصلحة الشّركة وهدفها، أنت لا تستطيع أن تخترق قوانين أو أعراف العمل؛ لأنّك موظف ولا يمكنك سوى الانصياع لرغبة المدراء؛ لضمان وجودك في العمل، ربّما لأنّك تحبّ العمل وجودته، أو لتحقّق رغبتك كإنسان في أن تكون مؤثّراً في مجتمعك وبيئتك، كلّ هذا في الوضع المثالي، لكن أنت كموظّف في العالم الثّالث تعمل وتعمل لأجل تأمين إيجار بيتك، وأكلك وشربك، وقضاء ديونك المتراكمة، تلهث وتلهث، لا تستطيع أخذ قسط من الرّاحة في هذا العالم المُتعب.

قد يقول أحدكم بلا مزاودة، نحن مضطرّون للعمل، هذه حياتنا، نريد أن نتنفّس ونكمل حياتنا، احترم رغبتك أيّها العبد، وأنا آسف على هذا التّعبير، أقدّر حاجتك للعمل والمال، لكن أن تقضي أيّامك كلّها في محاولة تنفيذ أجندات وطموح المدراء، وما أنت سواء تابع منفّذ لكلّ ما يُطلب منك، ما أنت سوى عكازة، ما أنت سوى هُويّة ضائعة، لا تترك مجالاً لهواياتك، وتسليتك وترفيهك، ليس لديك الوقت في أن تحبّ أو تطمح، أو تمارس رياضة المشي، لا تستطيع السّهر بعد منتصف اللّيل وأنت تشاهد فيلماً رومانسيّاً أو سرياليّاً؛ لأنّك تخاف أن لا تستيقظ في اليوم التّالي؛ لأنّه يتعيّن عليك أن تنزرع في الصّباح للعمل كمجنّد غرّ بأيّامه الأولى في الخدمة العسكريّة، ستظلمُ نفسك وشريكك وعائلتك أيضاً، سيمضي بك العمرُ وأنت تعمل لغيرك وعلى ماذا؟ على حفنة دولارات تتقاضاها في كلّ شهر حتى تعيش كما يعيش الحيوانات، اعذرني مجدّداً يا أخي، قلّ لي، ماذا فعلت لتتحرّر من هذه القيود؟ آما آن الأوان لتنتفض.
يعرّف “فيكي روبين” في كتابه “مالك أو حياتك”، الاستقلال المادّي بأنّه: “حالة وجود ثروة شخصيّة مناسبة للعيش، من دون الحاجة إلى العمل بنشاط من أجل الضّروريّات الأساسيّة، وبالنسبة للأشخاص المستقلّين ماليّاً يجب أن يكون دخلهم أكثر من نفقاتهم.
تُنسب للشّاعر والرّوائي الأمريكي “تشارلز بوكوفسكي” عبارة يقول فيها: “لن تحصُل على حرّيتك إلا حين تستقِلّ ماديّاً، وما عَدا ذلِك كلّها فلسفة وأفكار خياليَّة”.
إذاً الاستقلال المادّي هو من يجعلك تتحرّر فكريّاً وثقافيّاً ويكون لك أراء سياسيّة ودينيّة اجتماعيّة ربّما، وبعدها لن تخضع لأيّ أحد لأنّك لن تنتظر ماله، وستصبح غير مسيّر لأفكار الرّئيس أو القائد في العمل أو المكان أو البيئة التي تعيش فيها، لا تعرف ربّما ستغيّر دينك وقوميّتك وأفكارك التي أنت عليها، ستشرب فنجان قهوة على ردهة منزلك من دون التّفكير في العمل، ستسهر وتنام، وتلعب، وتلهو وتحبّ، ستحترف الهواية التي أحببت، ستترك مساحة حريّة كبيرة لابنك للتّفكير في مستقبله بكلّ أريحيّة، ستتنفّس الحريّة وتشعرُ بها وما أحلاه من شعور.
