أحدث المقالاتإقرأالمقالات عامةمواهب واعدة

أم البنات

سماح الحمادي

عاشتْ أمُ البنات بيننا رهينةٌ لسذاجة العالم، في الوقت الذي كانت فيه أكثر الأُسر تتمادى مفتخرةً بذكورها. وكأنّنا نحيا في بلاد العجائب، حيثُ الملك ينتظرُ خليفته في بطنِ كلُّ امرأةٍ ستلدُ ذكراً، لينصّبه على العالمين وليّاً، بينما سيترتّب على كلّ فتاةٍ تولد أن تعمل تحت أمرهِ، وتحت راية الملك ووليه.

حقّاً سخافةُ المستقبل المنشول على الأكتاف يعيشهُ بعضنا، فعلى الرغمِ من جميع دروس الحياة التي صاغتْ من صوفِ الولادات، التي يغلبُ بها ذوات الجنس الواحد، وأعني الذكور حصراً، على غيرهِ قماشاً مستعاراً، نرى أن هذا القماش ما زال يحظى بالرّيادة.

وما يزالُ الكثيرُ منّا ينتظر دوماً مولودهُ الذّكر، ويحزن لو كان رزقهُ مولودة أنثى، إلا في حالاتٍ نادرةٍ غلُبت فيها القناعةُ والشّكر على السّخافات ومعانيها، فلماذا ينتظرُ الوالدين طفلاً ذكراً على الأنثى في كلّ مرةٍ جديدةٍ للحبل؟ لو سألت نفسك عزيزي القارئ أنت كربّ لعائلةٍ، ما هي الأسباب التي تدفعكَ لتمنّي أبناء من الذكور على الإناث؟

لما وجدت جواباً قد تمليهِ عليَّ أكثر وضوحاً من تداول الأمثال، حيثُ أنّك ستجيبني مباشرةً: “همّ البنات للممات”، فقد تمّت زراعة أفكارٍ أخذها العرب مما فهموه من النّصوص الدّينيّة، فقلّدوها حسب ذكوريّتهم، ورسموا لأنفسهم قوانين ليس لها علاقة بأيّ مرجعٍ دينيّ حقيقي.

استخرجوا من الدّين والدّيانات ما يحلو لهم، واستخدموه في إضعاف النّساء اللاتي لولاهن ما قام منزلٌ ولا معقلٌ، في الوقت الذي جعل الله أعظم الرّسل قد خرج من منزل خلت فيه من الرّجال أسوةً بسيدنا محمد، وعيسى، وموسى، عليهم السّلام جميعاً.

نظرة المجتمع الدّونية للنساء قد فقدت شرعيّتها، والأمثلة كثيرة، نذكر منها سيّدةٌ ألمانيّة ذاع صيتها في بلاد الغرب والعرب، جعلت من اقتصاد المانيا الأوّل بين كلّ دول العالم، “أنجيلا ميركل” السّيّدة التي خدمت بلدها برصانة الكبار.

أم البنات

من منّا لا يعرف السّيّدة “كوليندا كيتاروفيتش”، التي أبهرت العالم باحتضانها لفريق بلادها الذي شارك بدورة كأس العالم الأخيرة، وكانت مثالاً يحتذى به وتعجز الكلمات عن وصف ما فعلته.

لكنني الآن لا أودُّ استعراض كل الإنجازات الناجحة للنساء حول العالم، وكأنني بذلك أعيد للأذهان سياسةً مللناها، وأعني سياسة الذّكور، واستعراض العضلات، فأنا أقول ما أقوله لأوضّح الصّورة فقط، لمن يعتقد أنه الأفضل لكونه ذكر، بينما أنت عزيزي لست الأفضل بل أنت شخصٌ خلق في مكان يجهل العالم فيه معاني التّفاضل، ومؤشرات الذّكاء العالميّة لو كانت تقدّر بـ”الغيغات”، لكانت السّيّدات متربّعاتٍ على العروش الخاصّة بالذّكاء، حيث أقلّهنّ علماً أكثرهنّ حرصاً، ونظافةً، وتفاني، والمزيد من الصّفات الأخرى.

اجلس واصمت عزيزي الذّكر، فما من حياة انعدم فيها الوجود الأنثوي، إلا وكانت كالصّحراء الجرداء وجوداً، فمن ظنّت عند الصّغر أن الصّبي أهلاً للتّهليل، والتّكبير، لم تُسمعنا صوتها عند الكبر، عندما لمحناها في مجتمعنا عجوزاً تتعكّزُ على جارةٍ لها للوصولِ لمنزلها في آخر الحيّ، وما أن سألناها عن وحدتها، وهي التي أنجبت خمس ذكور، أجابت: “ولادي كلّ مين همّوا على قدو…”، بينما الجارةُ الغريبة، وبعاطفتها الأنثويّة لم تسعها فطرتها أن تترك عجوزاً تسير بغير ثباتٍ وحدها، حيث هرعت إليها لتساعدها في السّير والتّعكز، فكيف لو كان لهذهِ العجوز فتاة بدلاً عن الذكور الخمسة؟ هل كانت لتتركها عندما تكثّر همومها؟ جميعنا، أظّن، قد أجبنا في دواخلنا الجواب الأكثر قناعة: “لا”، لأنّه وببساطة مشاعر الفتاة، قد خُلقت من ضلعٍ أعوج، كاعوجاج القفص الصّدري الحامي للقلب، والرّئتين، المنفذ الأوّل للحياة، ليس كما ظننتموه لعقود، وتبادلتموه في المجالس متفاخرين بجهلكم الأرعن معتقدين أن الفتاة خلقت بعقلٍ أعوج، والحقائق الدّينيّة والدّنيويّة تقول العكس، حيث نوّه أولي العلم، والمعرفة، أنّه لو استقام القفص الصّدري لما عشّت كبشري بعد العام آخر، وكذلك الحياة من دون فتيات تشبه منزلٍ كان فيه خمسة ذكور، فماتت أمّهم فجأة.

أخيراً أترك لكم مثلاً محليّ يعبّر باختصار عن واقع التّفاضل المعاش: “أمّ البنات تمشي بثبات، وتقول وين درب الصّاغة يا بنات، وأمّ البنين تمشي وتنين وتقول وين درب المساجين”، وفهمكم كفاية.

أم البنات

ريتينغ برودكشن

Amer Fouad Amer

صحفي مستقل / القسم الثقافي والدرامي النقدي مقدم ومعد برامج
زر الذهاب إلى الأعلى