أمهات عازبات .. ساقطات؟!
أمهات عازبات … ساقطات؟!

“ماما”، أيوجد أجمل وأرقى من هذه الكلمة؟ طبعاً لا، لأنّها ببساطة تعادل الوجود،
وتنفي باقي أسرار الحياة عند حضورها، وتتغلّغل في أرواحنا لتُشعَّ دروبنا نوراً كلّما لُفظت.
كثيرات من يتمنين سماعها، ولو لمرّةٍ واحدةٍ في حياتهن، لكن مشيئة الرّب كانت أقوى من كلّ الأمنيات والأحلام،
لكن في المقلب الآخر هناك من هنّ في غنىً عن هذه الكلمة، برغبتهنّ أو بسبب ظروف لم ترحمهنّ،
وهنا تبدأ التّساؤلات، ما الذي أقصده بكلامي هذا؟!
نعم، هناك من ترى أن تفاصيل جسمها الجميلة، ورشاقته، أهمّ من كِبَرِ حجم بطنها مع توالي الأيّام،
فتراها تتعمّد عدم الإنجاب للمداومة على كلمات ثراءٍ من هذا وذاك، وهذه طبعاً حريّة شخصيّة،
وهناك من تخلّت عن لفظ قُدّسَ وتمحورت من خلاله الحياة، حتى تتخلّص من مسؤوليّة قد تكون فوق طاقتها،
أو هرباً من كلماتٍ لاذعةٍ، قد تتلقاها من مجتمعٍ متأخّر دينيّاً وفكريّاً،
فُتِحَت عيناه على عادات وتقاليد تقول أن شرف المرأة يتجسّد ويتمثل في غشاء بكارة لا أكثر ولا أقلّ،
ووجب الخوف والمحافظة عليه، حتى يحين وقت الزّواج بإنسانٍ مخيّرٍ أو مختار،
فتماشت الفكرة عبر أجيال وأجيال لتترسّخ في أذهانهم، كنسمات هواء تدفعهم للعيش، والبقاء مهلةً أخرى.
ما عساها تفعل عندئذ؟ فاللّوم بعد القضاء بدعة، لأنّ التّلاعب بمشاعرها قد تمّ، والخطأ قد ارتُكب، والجنين قد تكوّن،
والمخاوف قد ازدادت، وتراكمت، فما عليها إلا مواجهة واقعٍ مريرٍ، بدايته كلمات غزل، تملؤها الحيلة،
مرافقة بلمسات حبّ كاذبة، ونهايته دموع، وأحزان، وتبادل لأصابع الاتهام بينها وبين “ضبعٍ دنيء”، جائع جنسيّاً،
استغل ضعفها أو حبّها الشّديد له، فأفرغ فيها شهوات لا يحمد عقباها، وتركها ذليلةً، متطأطئة الرّأس لما قد جرى،
وأعود لأقول: هذا كلّه بسبب ضعف منها، ورغبة بالغوص في أحلام خرافيّة معه، لأنه من غير المعقول أن يكون لدينا إنسانة بكامل قواها العقليّة، والجسديّة، وترضى بأن تكون مجرّد نزوة عابرة في حياة من لا يرحم رهف قلبها، وحساسيّة مشاعرها.

أمّهاتٌ عازباتٌ .. “ساقطات”
لا بدّ أن منهن من استطعن إنقاذ الموقف، والإفلات منه منذ البداية، بطريقةٍ أو بأخرى، كإجهاضٍ عسيرٍ،
أو قتل نفس بريئة كما هو متداول بين النّاس، ومنهن من رضخن بكلّ بؤسٍ،
حتى تكوّنت روح جديدة، لتخوض تجارب حياتيّة لا ذنب لها فيها، وليشار لها لاحقاً بصفة “اللقيطة”
على الرّغم من براءتها، وقلّة حيلتها، وهنا تتعالى الأصوات بأنّ من أنجبت، لا بدّ مجرّد “ساقطة”، لم تحافظ على قواعد الحياة،
ولم تكن أصيلة، كما علّمنا أجدادنا، فتشرع بالتّفكير في طريقة تخلّصها من وصمة العار،
ومن النّظرة القاسية التي يرمقها بها المقدّسون الشّرفاء، كما يلقبون أنفسهم، غافلون عمّا قد يحصل عند دوران دولاب الشّماتة،
لكنّ قلّة منهنّ تستجمعن قواهن، وتواجهن هذا المجتمع الذّكوريّ البحت، الرّافض للخطأ، بحسب مقاييسه،
خاصّةً عندما يكون نابعاً من طرفنا نحن النّساء.
أستطيع، ومن هذا المنبر، الإشارة إلى أهمّ سببٍ، من وجهة نظري، قد يدفع بالمرأة لأن تكون أمّاً عازبةً،
والذي ينبعث بالأساس من محيطها الدّاخلي، أيّ العائلة، وعلى وجه الخصوص الوالدين،
فهما من يحدّدا مصيرها، بمجرّد التّعامل معها، بحنانٍ، ورأفةٍ، أو بقسوةٍ، ولامبالاة، فتراها تبحث في باقي الرّجال عن كلمةٍ طيّبةٍ،
أو لمسةٍ حنونة، أو حضنٍ دافئٍ، يُنسيها حرمان سنين، فكثيراً ما نصادف نماذج توحي بتربيتهم السّويّة،
ومقدرتهم على الموازنة بين أن تكون مدلّلة، ومحبوبة، وواعية، ومسؤولة،
كما نرى من هم أقلّ شأناً من أن يحملوا شرف ومكانة أمٍ وأب؛
ومن هنا تبدأ رحلة الفساد الأخلاقي، لتثمر في النهاية بكوارث لا ترضى بها أيّ طائفةٍ دينيّةٍ على وجه الأرض.
أمّهاتٌ عازباتٌ .. “ساقطات”
من يقرأ كلماتي سيدرك تناقضي في هذا الموضوع، فتارةً تغلبني عاطفتي، وأحمل نفس مشاعر تلك المرأة وضعفها،
وتارةً أخرى معارضةً لها تماماً، لأنّنا نعيش في مجتمعٍ عربيٍّ، الفئة المسلمة المحافظة غالبة فيه،ومتمسّكةً بوازعها الدّيني
فمثلاً من قوانين جنسها الخشن أن: “كل ممنوع مرغوب”، وعليكِ سيّدتي أن تكوني أقوى، وأشدّ من شهوات الدّنيا العابرة،
وأن تعتادي قول: “لا”، في معظم مجرّات الكون، وأن تفكّري، وتفكّري قبل القدوم على أيّ معصية،
قد تُنزلك أسفل السّافلين، في نظر خالقك، ونظر من يراكِ مجرّد جسد، سيبقى في خانات ذكرياته لا غير،
عدا ذلك، فالتّركيز على مستقبل زاهرٍ مليء بالتّفوق، والنّجاحات أفضل بكثير من تفكير جنسي، رجعي، غير مقبول.
كوني سيّدة نفسك، لا ترضي بالذّل، ولا تضعي قيمتك رهن اعتقال أذهان مكبوتة، غايتها محدودة، وهدفها واحد،
فأنتِ الأم، والزّوجة، والأخت، والابنة، فأنت من وُضِعت الجنّة تحت قدمها، واستوطنت الرّحمة في شرايين قلبها.
