ألفتُ وجودها حتى لم أعد أستشعرها!

حين كنت في إحدى دول الخليج العربي، منذ عقد من الزمن، كنت أرى ذلك شيء عادي جدّاً، وأقرب أن يكون غير مهم!
عشت سنواتٍ طويلةٍ من الرّفاهيّة، من دون الشّعور أنّها تزيد عن كونها روتين يكاد أن يكون مملّاً!
وحين عدت إلى بلدي، ووجدت الأزمات تأتينا واحدةً تلو الأخرى، بدأت أشعر بعظمة حياتي في تلك البلد!
حين مرضتُ بعد أعوامٍ من اعتياد الصّحّة، لم أكن أتخيّل حجم الرّاحة التي لم أكن أستشعرها مسبّقاً!
وبعد أوّل فراق لأشخاص كانوا الأقرب لقلوبنا، شعرت بمعنى وجودهم حينذاك!
وعندما أصبح استخدام الكهرباء لساعة واحدة حلم نحيا بانتظاره طوال اليوم، علمتُ أنني حصلت مسبّقاً على بعضٍ من حقوقي كإنسان طبيعي على وجه الأرض!

وبعد أن هدم الزّلزال بيوت كبيرة، وأفقدنا عائلات بأكملها، علمتُ أنّ كلّ ما سبق لا يستحقّ مجرّد الاهتمام، وأيقنت أنّ الجدران الدّافئة والأسقف الآمنة ليست بالأمر الهيّن!
في الحقيقة لا أعلم لما كلّ هذا؟!
إمّا أن نعيش سأم الرّوتين في اعتياد النّعمة!
وإمّا أن نشعر بألم الحرمان حين فقدها!
لما لا نعي تماماَ مرحلة الامتنان لوجود النّعمة في وقت امتلاكها، لكي ننعم ببعض من السّعادة التي نطاردها في كلّ يوم؟!
لما ننساق إلى الحزن تحت مسمّى الطّموح بالأفضل؟
وأنا بهذا التّساؤل لا أرفض فكرة الطّموح، لأنني أكاد أقدّس ضرورة السّعي لحياة أفضل، ولكنّني في المقابل أستشعر ضرورة الرّأفة بأنفسنا بعض الشّيء، لكي نتمكّن من التّعايش مع الواقع، وبالتّالي الحفاظ على صحّتنا النّفسيّة والجسديّة.

وبعد هذا يمكنني القول: إنّ اعتياد النّعمة من دون الامتنان لوجودها، أمر في غاية الخطورة، فنحن بذلك إمّا أن نفقد لذّة النّعم، وإمّا أن نتعرّض للصدّمة حين فراقها، وفي الحالتين هناك الكثير من الشّتات الفكري والنّفسي.
وفي النّهاية أنا أعي تماماً كمّيّة الألم الذي يفرض نفسه علينا في كلّ يوم، ويجعلنا متناسين لكثير من النّعم التي اعتدنا وجودها.
ولكن على الرّغم من ذلك يتوجّب علينا حسن التّعامل مع الواقع بكافّة جوانبه، كي لا نسقط أرضاً من دون القدرة على الوقوف مرّة أخرى.
ريتنغ برودكشن