واقعنا مُعيب … ليست الأفلام

أصابت سكان الوطن العربي حالة من السّخط والغضب، بعد أن شاهدوا واقعهم المُخجل، يتجسّد أمامهم في فيلمٍ سينمائي عُرض على منصّة لم تفرض عليهم الدّخول إليها، وسط استنكاراتٍ للحظاتٍ ساخنة زعموا أنّهم يشاهدونها لأوّل مرّة.
تلك المشاهد المستوحاة من الواقع الذي يعيشونه من كذبٍ ونفاق وخيانة زوجيّة ومثليّة جنسيّة وتعرّي، فـ جميعها حالات موجودة بكثرة، وليست بجديدة، فما الذي يمنع من الإضاءة عليها؟! المشاهد الجريئة بأيّ عمل درامي بالتّأكيد معيبة، لكن مادام الأمر مجرّد تمثيل وهدفه تصوير الواقع، فلما نحمّل الأمر أكثر من طاقته؟ ولماذا نحارب الفيلم ولا نحارب أنفسنا ونحاول أن نصنع واقعاً أجمل؟!
فيلم “أصحاب ولا أعز” الذي يتحدّث عن الحكايا والخفايا التي نعشيها في السّرّ بينا وبين أنفسنا، والتي لا يعلم بها أحد غيرنا. قصّة الفيلم تروي حكاية مجموعة من الأصدقاء يجتمعون على العشاء، ويقرّرون أن يلعبوا لعبة، حيث يضع الجميع هواتفهم المحمولة على طاولة العشاء، بشرط أن تكون كافة الرّسائل أو المكالمات على مرأى ومسمع من الجميع، وسرعان ما تتحوّل اللّعبة إلى مجموعة من الفضائح والأسرار ضمن سياق درامي شيّق.

لكن ما الغاية من عرض الفيلم؟ ما الهدف منه وهو نسخة طبق الأصل عن الفيلم الإيطالي “بيرفكت سترينجرز”؟! ما سبب اختياره في الوقت الحالي؟ سؤالي يجيب نفسه لكون صنّاع الفيلم ربّما شعروا بأنّ الفساد الأخلاقي أصبح يتغلّل في مجتمعنا ومن الصّعب السّيطرة عليه بسهولة.
نجح صنّاع الفيلم بالوصول إلى مبتغاهم، وأن يثيروا اهتمام الجميع، بعد أن اعتمدوا في عملهم استخدام عنصر الجذب الأكثر تأثيراً بالنّاس، فطريق التّصدر السّريع بات معروفاً، وإذا أردت الانتشار عليك بالجرأة والإثارة، فهما الباب الأسرع لكون النّاس ترغب بمشاهدة هذا النّوع من الأفلام، حتّى لو أنكرت أو ادّعت عكس ذلك، فالإنسان في فطرته تحركه غرائزه ورغباته مهما حاول أن يخيفها عن المجتمع لكن لا يستطيع أن يخفيها عن نفسه.
هذا الفيلم الذي يروي معاناة المثلي في المجتمع، وكيف يصبح منبوذاً عندما يعلم به من حوله، المثلي الذي لم يختار أن يكون مثليّاً، لكن الظّروف والتّنشئة في طفولته ربّما فرضت عليه أن يكون شاذّاً.
فـ بدلاً من أن نعاتب صنّاع الفيلم لما لا نحاول أن نتطرّق إلى الواقع من دون خجل، ونحاول أن نضع حلولاً لهذه الجائحة التي باتت تجتاح العالم كلّه، فالمثليّون أصبح تعدادهم يفوق السّويون! فلما لا نبحث في الأسباب ونحاول علاجها منذ نشأتها.

لا أريد الخروج عن الحدث الأساسي، لكن الفيلم لم يدعو للفسق والرذيلة كما وصفه البعض، فلم يقولوا لنا افعلوا كذا، كلّ ما قاموا به أنّهم سلّطوا الضّوء على حالات موجودة في واقعنا، فلما نختبئ وراء أصابعنا.
أمّا منى زكي التي شلحت “الكيلوت” وهزّت العالم بمشهدها، نحن لم نرى إلا قطعة الملابس الدّاخليّة، لكن لم نرى جسدها، أين المعيب؟! أليس جميعنا يملك ملابس داخليّة ويرتديها ويشلحها في كلّ وقت؟!
لا أريد الدّفاع عن الفيلم فأنا أوّل معارض للمشاهد السّاخنة، أنا لست مع الفيلم، لكن ضدّ النّاس الذين لبسوا ثوب الفضيلة، وتركوا كلّ أزمات العالم، وأصبح تركيزهم على الفيلم فقط.
كفانا تمثيلاً وخداعاً، كفانا نكراناً، راجعوا أنفسكم وتصالحوا مع ذاتكم، وكفّوا عن المبدعين شرّكم، وحاولوا أن تصنعوا واقعاً أجمل من الفيلم.