أبغض الحلال عند الله تطاله يد الـ”تريند” … ماذا بعد “ميتا فيرس”؟!
كنان خضور

في بلادٍ غفت على وسادة الحرب، واستفاقت على شهوة الـ”تريند”، حيث أصبح كلّ شيء مباح من أجل الوصول السّريع للمال، والشّهرة، وذلك في ظروف معيشيّة أقسى من طحن الرّحى إذّ ما طحنت الأواصر، فلا استقرار ولا سلام ولا طمأنينّة.
بعد أن انتهت البلاد من شبح الموت المفاجئ المتمثّل في القذائف الطّائشة، وما شابهها من لحظات رعب، جعلت سكان البلاد يعيشون خلف شاشات أجهزتهم الذّكيّة، الأمر الذي شكّل ثقافةً جديدةً ساهمت في إعادة تكوين السّمات الشّخصيّة لقاطني هذه البلاد، وربّما يعود سبب الانفصال الزّوجي في أغلب حالاته إنّ كان بشكّلٍ مباشر أو غير مباشر إلى هذه الثّقافة المكتسبة.
الأحلام غير المتجانسة باتت سبباً رئيساً للتّفكك الأسري
خلال الأشهر التّسعة الأولى من العام 2020 سجّلت الأحوال المدنيّة في سورية؛ أكثر من 19 ألف حالة طلاق، ويُعدُّ هذا الرّقم كبيراً جدّاً إذا ما قارنّاه بحالات الطّلاق، التي كانت تسجّل قبيل العام 2011، ولأنّه لم يكن ينقص هذه البلاد بعد سنوات الحرب الضّارية، إلا كارثة كوفيد 19 بجميع متحوّراته، وقانون قيصر، حتى تنهار أركان المجتمع كأحجار الدّومينو، فمما لا شكّ فيه أن أبسط مقومات نجاح أيّ أسرة يتطلّب ظروف معاشيّة بحدّها الأدنى.

فإذا لم تتوفّر هذه الظروف، وبالمقابل يتوفّر سبل كثيرة لكسب المال السّريع، هنا تبدأ الأحلام بالتّشابك والاختلاف، فالرّجال يفضّلون العيش لوحدهم، بعيدين عن تحمّل مسؤوليّة الأسرة، والنّساء يفضلن التّوجّه نحو الـ”تريند”، مثلاً، بأفعال بسيطة، كنشر صور التّعرّي لنيل الشّهرة على مواقع التّواصل.
ووجب التّنويه أنّنا نتحدّث عن نموذج من الأشخاص، ولا نعمّم أبداً، لكن هذا النّموذج بات يرى في الـ”تريند” هو حلّ لجميع مشاكله، وهذا الفكر لا يقتصر على الأشخاص، بل يطال صنّاع المحتوى الرّقمي أيضاً، وذلك من خلال الاستخفاف بعقول الشّباب، وجرّها إلى التّهريج أمام الكاميرا، وإقناعهم أن هذه الكاميرا ستكون سبباً في شهرتهم، (عن أيّ شهرةٍ فارغةٍ يتحدّثون؟!).
لقب الصّاعدة أهون من لقب التّعيسة
“لقب الصّاعدة أهون من لقب التّعيسة”، جملة باتت تردّدها الكثير من الفتيات، في محاولةٍ منهنّ لتغير حياتهنّ من دون النّظر في عمق عواقب هذه الجملة، وتأثيرها على بنية المجتمع، الذي يبدو بأنّه يُبنى بقدرة قادر، فلا ضوابط تُرى، ولا حملات توعية تُذكر، لا بل هناك من يعمل بكلّ ما أوتي من ذكاء حتى يكرّس هذه الظّاهرة، وذلك مقابل كسب المال السّريع، والمخزي في الموضوع أنّ هناك من يروّج على أنّ لقب صاعدة، مدرج تحت مصطلح الفنّ، “الفنّانة الصّاعدة”، وينسون أن الموهوب حتى ينال لقب فنان عليه أن يدفع أكثر من نصف عمره في التّعلّم، والتّثقيف، وصقل موهبته.
المشكلة هنا لا تقتصر على مفهوم الفتيات، بل تنعكس أيضاً على الشّباب، أخبرني أحدهم قائلاً:
“عندما أرى صور الصّاعدات الجميلات على صفحات الـ”فيس بوك”، أشعر بأنّني لم أتوفّق في خيار الزّواج”!
هذه الأفكار؛ حتى وأن كانت على سبيل المزاح، فهي تعدُّ الشّرارة الأولى في عدم القناعة بالطرف الآخر، وبدء تزعزع العلاقة الزّوجيّة بين الشّريكين.

العالم قرية صغيرة لكنها على شاطئ من الحمم
منذ عشرات السّنين، والكثير من الدّول تعمل على تحويل العالم إلى قريةٍ صغيرةٍ، مستندين بذلك على ابتكار الإنترنت، على الرّغم من كلّ الفوائد التي قدّمتها هذه الشّبكة العنكبوتيّة للعالم، إلا أنّ سلبيّاتها باتت قاب قوسين من حرق إيجابيّاتها، أو أدنى، فما الفائدة من تطوّر المجتمعات، وتثقيفها، إذا كانت على حساب انهيار المنظومة الأخلاقيّة بحدّ ذاتها.
قد بات ملحوظاً للجميع أن هذا الانهيار بدأ يأخذ شكله مع بداية انتشار مواقع التّواصل الاجتماعي، فماذا لو نجح مؤسّس الـ”فيس بوك”، “مارك زوكربيرج” بفرض “ميتا فيرس” الجديد، ونشره بين الأوساط الاجتماعيّة عامّةً؟ هذا الشّكل الذي يبشّر بحسب تصريحات “زوكربيرج”، أنّه شكل جِدُّ متقدّم من الواقع الافتراضي، إذّ يتيح للمستخدم دخول عالم افتراضي بخيارات واسعة للغاية، أكثر مما يتيحه حالياً الواقع الافتراضي.
تُرى ما هي السّلبيّات التي ستنعكس على أواصر المجتمع إذا ما نجح “زوكربيرج” بتنفيذ خططه؟
وهل سيكون هناك من يقف في الضّفة الأخرى لمواجهة هذه السّلبيّات؟