
لطالما ارتبط شهر كانون الأوّل/ ديسمبر بالفرح، والأعياد السّعيدة، خلال أعوامي التي مضت، فيه ذكريات مع شخصيّاتٍ أحببتها، وارتبطت أيّامٌ محدّدة منه بمناسباتٍ شخصيّة أُعزّها، كما أن بعض المشاهير الذين أثّروا في مسارات كثير من البشر، وفي وجداني الشّخصي، كانوا من مواليد هذا الشّهر أيضاً، أمثال: نجيب محفوظ، الماغوط، بيتهوفن، الأم تريزا، تشارلز ديكنز، سيلين ديون، فريد الأطرش، زياد الرحباني…”.
أمشي في طريقي، وأحادثُ نفسي اليوم أكثر من أيّ يوم، حيث ينتشر المتسوّلون اليوم على الطّرقات، بأعداد تتزايد بين فترةٍ وأخرى، وأقول مواسياً نفسي: “هل سيحمل هذا الشهر فرجاً لهؤلاء النّاس، ويكفيهم قوتهم؟ هل ستحلّ الأعياد الموسميّة المرتبطة ببرد كانون سعادةً في حياتهم؟ هل ستنتهي المآسي التي نتلقفها أخباراً من المواقع الإلكترونيّة، أخباراً قصيرة أو مفصّلة تهزّ الضّمير، وتقول: أن لا أمل كبير في إصلاحاتٍ سريعة؟”.

لا بدّ أن القسّوة تتسيّد المشهد، ولا نزاع بين العقلاء أن الحال بات يحتاج وعياً وتكاتفاً وتعاضداً بين النّاس أكثر من أيّ مرحلة زمنيّة سابقة، فمن رحم الأحزان تولد الحلول، لكن يقفز أمامي ما استذكره لكم عن رواية “شآبيب” لمؤلّفها الرّوائي المصري أحمد خالد توفيق، حيث يعلن في روايته أن العرب إلى تشتت وتشرذم، وينتقل في مقاطع روايته ليخبرنا أنّنا انتشرنا في كلّ بلاد العالم، وبتنا بلا أوطاننا، لكن الحبكة تقود بكاتبها ليزيدنا من الشّعر بيوتاً، أنّ اعتداءاتٍ مريرة تعرّض كثيرٌ من العرب ومنها ما هدر الكرامة، وفجأة يبزغ الأمل، إذّ أنّ بقعة جغرافيّة لم يطأها أحد ستكون موطناً لكلّ العرب، وتجمعهم في بلدٍ واحدٍ متوحّد، بالإضافة للعديد من الأفكار المدعومة بحسّ روائي مهمّ.
تُرى هل يبشّرنا أحمد خالد توفيق؛ ويستشرف لنا مستقبلاً بهذا السّواد؟! هل انتصر العدو علينا، وقُلبت كفّة الميزان، ليهجر العرب كلّ العرب بيوتهم نحو أرضٍ جديدة، هي أرض الميعاد؟! يالهذا الاستشراف اللعين والتّنبؤات التي لا ينافسها الأسوأ!

ليست هذه دعوة للتّشاؤم، إنّما هي استغراب حقيقي، لما وصل إليه الحال اليوم، حتى الحسّ الأدبي يهرب بنفسه ليخط مستقبلاً باهت اللون، وخيال المثقف بات مرعباً، بدلاً من التّصويب نحو مستقبل العلم والتّكنولوجيا، والتّفوّق بين منافسات الشّعوب وما يحرزوه من انتصارات تُحسب للإنسانيّة وللتّاريخ.
أعبر إلى الضّفة الأخرى من الشارع، ويتهادى الصّوت الفيروزي، ليملأ الفضاء محبّةً وسكينة، إنّه من إحدى المحلات التي تبيع هدايا يغلب عليها اللّون الأحمر، وعبر كلماتٍ كتبها الشّاعر جوزيف حرب، أردّد:
“كنّا نزيّن سجرة صغيرة ونعلّق فيها اجراس
عليها نجوم بيلمع لونا بيلمع متل الألماس
مليانة تلج ومليانة ملبس أبيض بكياس
….
فوقا كارت صغير ملوّن وبقلبو في مكتوب
كلّ عيد وإنتو بخير إنتو بخير إنتو بخير
كلّ عيد وبلدي بخير بلدي بخير”.
